أى: وإن عليكم ملائكة من صفاتهم أنهم يحفظون أعمالكم، ويسجلونها عليكم، وأنهم لهم عند الله- تعالى- الكرامة والمنزلة الحسنة، وأنهم يكتبون أعمالكم كلها، وأنهم يعلمون أفعالكم التي تفعلونها سواء أكانت قليلة أم كثيرة، صغيرة أم كبيرة.
فالمقصود بهذه الآيات الكريمة: بيان أن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الجزاء حق، وأن أعمال الإنسان مسجلة عليه تسجيلا تاما، بواسطة ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
أما كيفية هذه الكتابة من الملائكة لأعمال الإنسان، وعلى أى شيء تكون هذه الكتابة، ومتى تكون هذه الكتابة ... فمن الأمور التي يجب الإيمان بها كما وردت، مع تفويض كنهها وكيفيتها ودقتها إلى الله- تعالى- لأنه لم يرد حديث صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه في بيان ذلك.
ثم بين- سبحانه- النتائج المترتبة على كتابة الملائكة لأفعال الإنسان فقال: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ. وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ.
والأبرار: جمع بر- بفتح الباء-، وهو الإنسان التقى الموفى بعهد الله- تعالى-.
والفجار: جمع فاجر، وهو الإنسان الكثير الفجور، أى: الخروج عن طاعة الله- تعالى-. أى: إن المؤمنين الصادقين الذين وفوا بما عاهدوا الله عليه، لفي نعيم دائم، وهناء مقيم، وإن الفجار الذين نقضوا عهودهم مع الله، وفسقوا عن أمره، لفي نار متأججة بعضها فوق بعض، هؤلاء الفجار الذين شقوا عصا الطاعة يَصْلَوْنَها أى: يدخلون الجحيم ويقاسون حرها يَوْمَ الدِّينِ أى: يوم الجزاء والحساب.
وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ أى: وما هم عن النار بمبعدين، بل هم ملازمون لها ملازمة تامة.
ثم فخم- سبحانه- وعظم من شأن يوم الجزاء فقال: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ.
و «ما» اسم استفهام مبتدأ. وجملة «أدراك» خبره، والكاف مفعول أول.
وجملة ما يَوْمُ الدِّينِ المكونة من مبتدأ وخبر سدت مسد المفعول الثاني لأدراك.
والتكرار للتهويل والتعظيم ليوم الدين، كما في قوله- تعالى- الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ.
أى: وأى شيء أدراك عظم وشدة يوم الحساب والجزاء، ثم أى شيء أدراك بذلك؟