للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والّمّ: الجمع بدون تفرقة بين الحلال والحرام، مأخوذ من قولهم: لمّ الطعام، إذا أكله كله دون أن يترك منه شيئا.

أى: ومن صفاتكم القبيحة أنكم تأكلون المال الموروث عن غيركم، أكلا شديدا، بحيث لا تتركون منه شيئا، ولا تفرقون بين ما هو حلال أو حرام، ولا بين ما يحمد وما لا يحمد، بل تأخذون حقوقكم وحقوق غيركم من النساء والصبيان.

ومن صفاتكم- أيضا- أنكم تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا أى: حبا كثيرا مع حرص وشره. يقال: جمّ الماء في الحوض، إذا كثر واجتمع، ومنه الجموم للبئر الكثيرة الماء.

والحب المفرط للمال من الصفات الذميمة، لأنه يؤدى إلى جمعه من كل طريق، بدون تفرقة بين ما يحل منه وما يحرم.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هذا النوع من الناس، بأنه قد جمع في سوء سلوكه، بين النطق بالقبيح من الأقوال، وبين ارتكاب القبيح من الأفعال، وهي: ترك اليتيم بلا رعاية، وعدم الحض على إطعام المحتاج، وجمع المال الموروث بدون تفرقة بين حلاله وحرامه، والإفراط في حب المال بطريقة ذميمة.

وبعد هذا الزجر والردع لهم، لسوء أقوالهم وأفعالهم، أخذت السورة الكريمة في زجرهم وردعهم عن طريق تذكيرهم بأهوال الآخرة فقال: - تعالى-: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا. وقوله- تعالى-: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ردع لهم وزجر عن أفعالهم السابقة، وهي عدم إكرام اليتيم، وعدم الحض على طعام المسكين.

وقوله: دُكَّتِ الْأَرْضُ من الدك: بمعنى الكسر والدق والزلزلة الشديدة، والتحطيم الجسيم، وانتصب لفظ «دكا» الأول على أنه مصدر مؤكد للفعل، وانتصاب الثاني على أنه تأكيد للأول. وقيل: تكرار «دكا» للدلالة على الاستيعاب، كقولك: قرأت النحو بابا بابا، أى: قرأته كله.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ ... أى: ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر. فهو رد لانكبابهم على الدنيا، وجمعهم لها، فإن من فعل ذلك يندم يوم تدك الأرض، ولا ينفعه الندم، والدك: الكسر والدق، أى: زلزلت وحركت تحريكا بعد تحريك.

وقوله: دَكًّا دَكًّا أى: مرة بعد مرة، زلزلت فكسر بعضها بعضا فتكسر كل شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>