للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماثلا أمامه، يقول- على سبيل التحسر والتفجع-: يا ليتني قدمت أعمالا صالحة لأجل حياتي هذه في الآخرة، فاللام للتعليل، وقدمت أعمالا صالحة في وقت حياتي في الدنيا لأنتفع بها في هذا اليوم، فتكون اللام للتوقيت.

فَيَوْمَئِذٍ أى: ففي هذا اليوم لا ينفعه الندم ولا التحسر، ولا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ والوثاق: الرباط الذي يقيد به الأسير.

أى: ففي هذا اليوم لا يعذّب كعذاب الله أحد، ولا يوثق كوثاقه أحد، فالضمير في قوله: عَذابَهُ ووَثاقَهُ يعود إلى الله- تعالى- ولفظ «أحد» فاعل.

وقرأ الكسائي: لا يُعَذِّبُ ولا يُوثِقُ- بفتح الذال المشددة، وفتح الثاء- على البناء للمفعول، والضمير في قوله عَذابَهُ ووَثاقَهُ يعود للكافر.

أى: فيومئذ لا يعذب أحد مثل عذاب ذلك الإنسان الكافر المتحسر، ولا يوثق أحد مثل وثاقه، ولفظ «أحد» هنا نائب فاعل.

وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى-: قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ- أى: المائدة- فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بهذه البشارة العظيمة للمؤمنين فقال: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.

والنفس المطمئنة: هي النفس الآمنة من الخوف أو الحزن في يوم القيامة. بسبب إيمانها الصادق، وعملها الصالح، والكلام على إرادة القول. أى: يقول الله- تعالى- على لسان ملائكته، إكراما للمؤمنين، عند وفاتهم، أو عند تمام حسابهم: يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة، الناعمة بروح اليقين، الواثقة بفضل الله- تعالى- ورحمته. ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً أى: ارجعي إلى ربك الذي خلقك، وأنت راضية تمام الرضا بما أعطاك- سبحانه- من ثواب، ومرضى عنك منه- تعالى- بسبب إيمانك الصادق، وعملك الصالح.

فَادْخُلِي فِي عِبادِي أى: فادخلي في زمرة عبادي الصالحين المرضيين. وَادْخُلِي جَنَّتِي التي وعدتهم بها، والتي أعددتها لنعيمهم الدائم المقيم.

وقد ذكروا أن هذه الآيات الكريمة نزلت في شأن عثمان بن عفان لمّا تصدق ببئر رومة.

وقيل: نزلت في حمزة بن عبد المطلب حين استشهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>