للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان الذي جعلنا له عينين.. لم يشكرنا على نعمنا، فلا هو اقتحم العقبة، ولا هو فعل شيئا ينجيه من عذابنا.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: قوله: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ يعنى: فلم يشكر تلك الأيادى والنعم بالأعمال الصالحة: من فك الرقاب، وإطعام اليتامى والمساكين..

بل غمط النعم، وكفر بالمنعم..

فإن قلت: قلما تقع «لا» الداخلة على الماضي، غير مكررة، فما لها لم تكرر في الكلام الأفصح؟. قلت: هي متكررة في المعنى، لأن المعنى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ.. فلا فكّ رقبة، ولا أطعم مسكينا. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك.. «١» .

والاستفهام في قوله- سبحانه-: وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ لتفخيم شأنها، والتهويل من أمرها، والتشويق إلى معرفتها.

والكلام على حذف مضاف، والتقدير: وما أدراك ما اقتحام العقبة؟.

ثم فسر- سبحانه- ذلك بقوله: فَكُّ رَقَبَةٍ. والمراد بفك الرقبة إعتاقها وتخليصها من الرق والعبودية. إذ الفك معناه: تخليص الشيء من الشيء..

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، جملة من الأحاديث التي وردت في فضل عتق الرقاب، وتحريرها من الرق..

ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم «من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله بكل إرب منها- أى عضو منها- إربا منه من النار ... » .

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار ... » «٢» .

وقراءة الجمهور فَكُّ رَقَبَةٍ برفع «فك» وإضافته إلى «رقبة» .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: «فك» بفتح الكاف على أنه فعل ماض، ونصب لفظ «رقبة» على أنه مفعول به.

وقد ذهب جمع من المفسرين إلى أن المراد بفك الرقبة: أن يخلص الإنسان نفسه من المعاصي والسيئات، التي تكون سببا في دخوله النار.

وقوله- سبحانه-: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ بيان لفضيلة ثانية من الفضائل التي


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٥٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>