ثم فصل- سبحانه- ما أجمله في قوله: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فقال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى. وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى والحسنى تأنيث الأحسن، وهي صفة لموصوف محذوف.
أى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى حق الله- تعالى-، بأن أنفق من ماله في وجوه الخير:
كإعتاق الرقاب، ومساعدة المحتاجين.. وَاتَّقى المحارم والمعاصي وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى أى: وأيقن بالخصلة الحسنى، وهي الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، أو أيقن بالملة الحسنى، وهي ملة الإسلام، أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى أى: فسنهيئه للخصلة التي توصله إلى اليسر والراحة وصلاح البال، بأن نوفقه لأداء الأعمال الصالحة التي تؤدى إلى السعادة.
وحذف مفعول «أعطى واتقى» للعلم بهما، أى: أعطى ما كلفه الله- تعالى- به، واتقى محارمه.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بماله فلم يؤد حقوق الله- تعالى- فيه، ولم يبذل شيئا منه في وجوه البر. وَاسْتَغْنى أى: واستغنى عن ثواب الله- تعالى-، وتطاول على الناس بماله وجاهه، وآثر متع الدنيا على نعيم الآخرة ... وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى أى: وكذب بالخصلة الحسنى التي تشمل الإيمان بالحق، وبيوم القيامة وما فيه من حساب وجزاء.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى أى: فسنهيئه للخصلة التي توصله إلى العسر والمشقة والشدة، بأن نجعله بسبب سوء اختياره، يؤثر الغي على الرشد، والباطل على الحق، والبخل على السخاء، فتكون عاقبته فرطا، ونهايته الخسران والبوار.
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها، وقد وصفت المؤمنين الصادقين بثلاث صفات هي جماع كل خير، وأساس جميع الفضائل: وصفهم بالسخاء، وبالخوف من الله- تعالى-، وبالتصديق بكل ما يجب التصديق به، ورتب على ذلك توفيقهم للخصلة الحسنى.. التي تنتهي بهم إلى الفوز والسعادة.
ووصف- أيضا- أهل الفسوق والفجور بثلاث صفات، هي أساس البلاء، ومنبع الفساد، ألا وهي: البخل، والغرور، والتكذيب بكل ما يجب الإيمان به.. ورتب- سبحانه- على ذلك تهيئتهم للخصلة العسرى، التي توصلهم إلى سوء المصير، وشديد العقاب..