للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليكفر فيحل به العقاب، لأننا نجازي كل إنسان على حسب عمله، بعد أن هديناه النجدين، وأرشدناه إلى سبيل الرشد وسبيل الغي.

وإن لنا وحدنا كل ما في الدنيا، وكل ما في الآخرة. إذ الخلق والأمر بيدنا، والعطاء والمنع لا يملكه أحد سوانا، وهذا الكون كله تحت تصرفنا وقدرتنا.

والفاء في قوله- سبحانه-: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى للإفصاح عن مقدر، لأنها تدل على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها، وتأتى بعده بما يفصله ويزيده وضوحا..

وقوله: تَلَظَّى أى: تتوقد وتتوهج وتلتهب، وأصله تتلظى، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. أى: إذا كان الأمر كما ذكرت لكم، من حسن عاقبة من أعطى واتقى، ومن سوء عاقبة من بخل واستغنى، ومن أن كل شيء تحت قدرتنا وتصرفنا.. فأكون بذلك قد حذرتكم من عذاب عظيم يوم القيامة، وخوفتكم من السقوط في نار عظيمة تلتهب وتتوقد، وهذه النار لا يَصْلاها أى: لا يحترق بها إِلَّا الْأَشْقَى أى: من اشتد شقاؤه بسبب إصراره على كفره وفجوره.

وقوله- تعالى-: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى صفة لهذا الشقي، لزيادة التشنيع عليه، والذم له. أى: سيحترق بهذه النار هذا الإنسان الذي بلغ الغاية في الشقاء والتعاسة، والذي من صفاته أنه كذب بالحق، وأعرض عن الطاعة. وسار في طريق الكفر والجحود، حتى أدركه الموت، وهو على ذلك.

وكعادة القرآن الكريم في المقابلة بين الأشرار والأخيار، وبين السعداء والأشقياء، جاء الحديث بعد ذلك عن حال الأتقياء، فقال- تعالى- وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى أى: وسيبتعد عن هذه النار المتأججة الأتقى، وهو من بالغ في صيانة نفسه عن كل ما يغضب الله- تعالى-، وحرص كل الحرص على فعل ما يرضيه- عز وجل-.

فالمراد بالأشقى والأتقى: الشديد الشقاء، والشديد التقوى.

والتعبير بقوله: وَسَيُجَنَّبُهَا يشعر بابتعاده عنها ابتعادا تاما، بحيث تكون النار في جانب، وهذا الأتقى في جانب آخر، كما قال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها، وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ.

والفعل «جنب» يتعدى إلى مفعولين، أولهما هنا هو لفظ الأتقى، الذي ارتفع على أنه نائب فاعل، والمفعول الثاني هو الهاء.

ثم وصف- سبحانه- هذا الإنسان المبالغ في تقواه وطاعته لربه فقال: الَّذِي يُؤْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>