للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال- سبحانه- مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ولم يقل بعد العسر يسرا، للإشعار بأن هذا اليسر، ليس بعد العسر بزمن طويل، وإنما هو سيأتى في أعقابه بدون مهلة طويلة، متى وطن الإنسان نفسه على الصبر والأمل في فرج الله- تعالى-.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين بعض الآثار، منها ما رواه ابن أبى حاتم، عن عائد بن شريح قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله جحر فقال: «لو جاء العسر فدخل هذا الجحر، لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه» .

وعن الحسن قال: كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين.

وعن قتادة: ذكر لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه فقال: «لن يغلب عسر يسرين» . ومعنى هذا أن العسر معرّف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكّر فمتعدد، ولهذا قال: «لن يغلب عسر يسرين» فالعسر الأول عين الثاني، واليسر تعدد ... «١» .

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف تعلق قوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً بما قبله؟

قلت: كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر فذكّره الله- تعالى- بما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، كأنه قال: خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا.

فإن قلت «إن مع» للصحبة، فما معنى اصطحاب اليسر للعسر؟ قلت: أراد أن الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر، زيادة في التسلية، وتقوية القلوب.

فإن قلت: فما المراد باليسرين؟ قلت: يجوز أن يراد بهما ما تيسر لهم من الفتوح في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وما تيسر لهم في أيام الخلفاء ... وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة.

فإن قلت: فما معنى هذا التنكير؟ قلت التفخيم، كأنه قال: إن مع العسر يسرا عظيما وأى يسر ... «٢» .

وبعد هذا التعديد لتلك النعم العظيمة، أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد في العبادة فقال- تعالى-: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ.

وأصل الفراغ خلو الإناء مما بداخله من طعام أو غيره، والمراد به هنا الخلو من الأعمال


(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٥٤.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>