للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ... «١» .

وما ورد من أحاديث تفيد أن أول سورة نزلت هي «سورة الفاتحة» ، فمحمول على أن أول سورة نزلت كاملة هي سورة الفاتحة.

كذلك ما ورد من أحاديث في أن أول ما نزل سورة المدثر، محمول على أن أول ما نزل بعد فترة الوحى. أما صدر سورة العلق فكان نزوله قبل ذلك.

قال الآلوسى- بعد أن ساق الأحاديث التي وردت في ذلك-: «وبالجملة فالصحيح- كما قال البعض وهو الذي أختاره- أن صدر هذه السورة الكريمة، هو أول ما نزل من القرآن على الإطلاق. وفي شرح مسلم: الصواب أن أول ما نزل «اقرأ» ، أى: مطلقا، وأول ما نزل بعد فترة الوحى، «يا أيها المدثر» ، وأما قول من قال من المفسرين، أول ما نزل الفاتحة، فبطلانه أظهر من أن يذكر» «٢» .

والذي نرجحه ونميل إليه أن أول ما نزل من قرآن على الإطلاق، هو صدر هذه السورة الكريمة إلى قوله ما لَمْ يَعْلَمْ، لورود الأحاديث الصحيحة بذلك. أما بقيتها فكان نزوله متأخرا.

قال الأستاذ الإمام «أما بقية السورة فهو متأخر النزول قطعا، وما فيه من ذكر أحوال المكذبين، يدل على أنه إنما نزل بعد شيوع خبر البعثة، وظهور أمر النبوة، وتحرش قريش لإيذائه صلى الله عليه وسلم» «٣» .

وقد افتتحت السورة الكريمة بطلب القراءة من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان أميا لتهيئة ذهنه لما سيلقى عليه صلى الله عليه وسلم من وحى ... فقال- سبحانه-: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. أى: اقرأ- أيها الرسول الكريم- ما سنوحيه إليك من قرآن كريم، ولتكن قراءتك ملتبسة باسم ربك. وبقدرته وإرادته، لا باسم غيره، فهو- سبحانه- الذي خلق الأشياء جميعها، والذي لا يعجزه أن يجعلك قارئا، بعد كونك لم تكن كذلك.

وقال- سبحانه- بِاسْمِ رَبِّكَ بوصف الربوبية، لأن هذا الوصف ينبئ عن كمال الرأفة والرحمة والرعاية بشأن المربوب.

ووصف- سبحانه- ذاته بقوله: الَّذِي خَلَقَ للتذكير بهذه النعمة، لأن الخلق هو أعظم النعم، وعليه تترتب جميعها.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٦٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٧٨.
(٣) تفسير جزء عم ص ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>