للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: أرأيت- أيها الرسول الكريم- إن كذب هذا الكافر بما جئته به من عندنا، وتولى وأعرض عما تدعوه إليه من إيمان وطاعة لله رب العالمين. أرأيت إن فعل ذلك، أفلا أرشده عقله إلى أن خالق هذا الكون يراه، وسيجازيه بما يستحقه من عذاب مهين؟.

فالمقصود من هذه الآيات الكريمة التي تكرر فيها لفظ «أرأيت» ثلاث مرات: تسلية النبي صلى الله عليه وسلم. وتعجيبه من حال هذا الإنسان الطاغي الشقي، الذي أصر على كفره.

وآثر الغي على الرشد. والشرك على الإيمان.. وتهديد هذا الكافر الطاغي بسوء المصير، لأن الله- تعالى- مطلع على أعماله القبيحة ... وسيعاقبه العقاب الأكبر.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فأين جواب الشرط- أى في قوله- تعالى-:

أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى؟ قلت: هو محذوف تقديره: إن كان على الهدى، ألم يعلم بأن الله يرى، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني.

فإن قلت: فكيف صح أن يكون «ألم يعلم» جوابا للشرط؟ قلت: كما صح في قولك:

إن أكرمتك أتكرمنى؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟ ... «١» .

وقوله- سبحانه-: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ردع وزجر لهذا الكافر الطاغي الناهي عن الخير، ولكل من يحاول أن يفعل فعله.

والسفع: الجذب بشدة على سبيل الإذلال والإهانة، تقول: سفعت بالشيء، إذا جذبته جذبا شديدا بحيث لا يمكنه التفلت أو الهرب ... وقيل: هو الاحتراق، من قولهم: فلان سفعته النار، إذا أحرقته وغيرت وجهه وجسده. والناصية: الشعر الذي يكون في مقدمة الرأس.

أى: كلا ليس الأمر كما فعل هذا الإنسان الطاغي، ولئن لم يقلع عما هو فيه من كفر وغرور، لنقهرنه، ولنذلنه، ولنعذبنه عذابا شديدا في الدنيا والآخرة.

والتعبير بقوله- تعالى-: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ يشعر بالأخذ الشديد، والإذلال المهين، لأنه كان من المعروف عند العرب، أنهم كانوا إذا أرادوا إذلال إنسان وعقابه، سحبوه من شعر رأسه.

والتعريف في الناصية، للعهد التقديري. أى: بناصية ذلك الإنسان الطاغي، الذي كذب وتولى، ونهى عن إقامة الصلاة.

وقوله- تعالى-: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ بدل من الناصية، وجاز إبدال النكرة من المعرفة، لأن النكرة قد وصفت. فاستقلت بالفائدة.


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>