للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التهويل، ثم أعادت اللفظ بذاته بدون إضمار له زيادة في تعظيم أمره، ثم جعلت الخطاب لكل من يصلح له، ثم شبهت الناس فيه تشبيها تقشعر منه الجلود، ثم وصفت الجبال- وهي المعروفة بصلابتها ورسوخها- بأنها ستكون في هذا اليوم كالصوف المتناثر الممزق.

ثم بين- سبحانه- أحوال السعداء والأشقياء في هذا اليوم فقال: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ.

أى: فأما من ثقلت موازين حسناته. ورجحت أعماله الصالحة على غيرها. فهو في عيشة مرضية. أو في عيشة ذات رضا من صاحبها، لأنها عيشة هنية كريمة.

وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ أى: خفت موازين حسناته، وثقلت موازين سيئاته، فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ أى: فمرجعه ومأواه الذي يأوى إليه، نار سحيقة يهوى إليها بدون رحمة أو شفقة، بسبب كفره وفسوقه.

فالمراد بالأم هنا: المرجع والمأوى، وبالهاوية: النار التي يسقط فيها، وسميت النار بذلك. لشدة عمقها. وسمى المأوى أمّا، لأن الإنسان يأوى إليه كما يأوى ويلجأ إلى أمه.

ويرى بعضهم أن المراد بأمه هنا الحقيقة، لأن العرب يكنون عن حال المرء بحال أمه في الخير وفي الشر، لشدة محبتها له.

قال صاحب الكشاف: قوله: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة، هوت أمه، لأنه إذا هوى- أى سقط وهلك.. فقد هوت أمه ثكلا وحزنا ... فكأنه قيل: وأما من خفت موازينه فقد هلك.

وقيل: «هاوية» من أسماء النار، وكأنها النار العميقة لهوى أهل النار فيها مهوى بعيدا، كما روى: «يهوى فيها سبعين خريفا» ، أى: فمأواه النار.

وقيل للمأوى: أم، على التشبيه، لأن الأم مأوى الولد ومفزعه ... «١» .

وقال بعض العلماء: واعلم أنه يجب علينا أن نؤمن بما ذكره الله- تعالى- من الميزان في هذه الآية وما يشبهها. وليس علينا أن نبحث فيما وراء ذلك مما لم يثبت عن الله- تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم ونكل ما وراء ذلك إلى علام الغيوب، على أن وزن الأعمال، أو وزن صحائفها أو وزن الصور الجميلة، كل ذلك أمر ممكن، لا يترتب على فرض وقوعه محال، فوقوع شيء من ذلك، لا يعجز الله- تعالى- ولا يقف أمام قدرته الغالبة ... «٢» .


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٩٠. [.....]
(٢) تفسير جزء عم ص ٣٠٢ لفضيلة الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد (يرحمه الله) .

<<  <  ج: ص:  >  >>