وقد رجح الإمام ابن جرير القول الأول فقال: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر، والعصر اسم الدهر، وهو العشى، والليل والنهار ... «١» .
وقوله- سبحانه-: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ... جواب القسم، والمراد بالإنسان:
جنسه ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا. والخسر مثل الخسران، كالكفر بمعنى الكفران ...
أى: إن جنس الإنسان لا يخلو من خسران ونقصان وفقدان للربح في مساعيه وأعماله طوال عمره، وإن هذا الخسران يتفاوت قوة وضعفا.
فأخسر الأخسرين هو الكافر الذي أشرك مع خالقه إلها آخر في العبادة، وأقل الناس خسارة هو المؤمن الذي خلط عملا صالحا بآخر سيئا ثم تاب إلى الله- تعالى- توبة صادقة.
وجاء الكلام بأسلوب القسم، لتأكيد المقسم عليه، وهو أن جنس الإنسان في خسر.
وقال- سبحانه- لَفِي خُسْرٍ للإشعار بأن الإنسان كأنه مغمور بالخسر، وأن هذا الخسران قد أحاط به من كل جانب، وتنكير لفظ «خسر» للتهويل. أى: لفي خسر عظيم.
وقوله- سبحانه-: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... استثناء مما قبله، والمقصود بهذه الآية الكريمة تسلية المؤمنين الصادقين ... وتبشيرهم بأنهم ليسوا من هذا الفريق الخاسر.
وقوله- تعالى-: وَتَواصَوْا فعل ماض، من الوصية وهي تقديم النصح للغير مقرونا بالوعظ.
و «الحق» : هو الأمر الذي ثبتت صحته ثبوتا قاطعا ...
و «الصبر» : قوة في النفس تعينها على احتمال المكاره والمشاق ...
أى: أن جميع الناس في خسران ونقصان ... إلا الذين آمنوا بالله- تعالى- إيمانا حقا، وعملوا الأعمال الصالحات، من صلاة وزكاة وصيام وحج ... وغير ذلك من وجوه الخير، وأوصى بعضهم بعضا بالتمسك بالحق، الذي على رأسه الثبات على الإيمان وعلى العمل الصالح ... وأوصى بعضهم بعضا كذلك بالصبر على طاعة الله- تعالى-، وعلى البلايا والمصائب والآلام ... التي لا تخلو عنها الحياة.
فهؤلاء المؤمنون الصادقون، الذين أوصى بعضهم بعضا بهذه الفضائل ليسوا من بين الناس
(١) تفسير ابن جرير ج ٣٠ ص ١٨٧.