ومن شأن الليل عند ما يكون كذلك، أن يكون مخيفا مرعبا، لأن الإنسان لا يتبين ما استتر تحته من أعداء.
ثم قال- سبحانه-: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وأصل النفاثات جمع نفّاثة، وهذا اللفظ صيغة مبالغة من النّفث، وهو النفخ مع ريق قليل يخرج من الفم.
والعقد: جمع عقدة من العقد الذي هو ضد الحل، وهي اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه.
والمراد بالنفاثات في العقد: النساء السواحر، اللائي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها من أجل السحر.
وجيء بصيغة التأنيث في لفظ «النفاثات» لأن معظم السحرة كن من النساء.
ويصح أن يكون النفاثات صفة للنفوس التي تفعل ذلك، فيكون هذا اللفظ شاملا للذكور والإناث.
وقيل المراد بالنفاثات في العقد: النمامون الذين يسعون بين الناس بالفساد، فيقطعون ما أمر الله به أن يوصل ... وعلى ذلك تكون التاء في «النفاثة» للمبالغة كعلامة وفهامة، وليست للتأنيث.
أى: وقل- أيضا- أستجير بالله- تعالى- من شرور السحرة والنمامين، ومن كل الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بقوله: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ. والحاسد:
هو الإنسان الذي يتمنى زوال النعمة عن غيره. والحسد: حقيقة واقعة. وأثره لا شك فيه، وإلا لما أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرور الحاسدين.
قال الآلوسى: وقوله: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ أى إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر، ومبادي الاضرار بالمحسود قولا وفعلا ... «١» .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد في أحاديث كثيرة منها قوله: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ... » .
ومنها قوله: «إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب» .
هذا، وقد تكلم العلماء كلاما طويلا عند تفسيرهم لقوله- تعالى-: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ عن السحر، فمنهم من ذهب إلى أنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل وتمويه ...
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٢٨٤.