للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجملة «لعلكم تتقون» تعليل للأمر بالعبادة، ولذلك فصلت.

و «لعل» حرف موضوع ليدل على الترجي، وهو توقع حصول الشيء عند ما يحصل سيبه وتنتفى موانعه. والشيء المتوقع حصوله في الآية هو التقوى وسببه العبادة، إذ بالعبادة يستعد الإنسان لأن يبلغ درجة التقوى وهي الفوز بالهدى والفلاح، والترجي قد يكون من جهة المتكلم وهو الشائع وقد تستعمل لعل في الكلام على أن يكون الترجي مصروفا للمخاطب، فيكون المترجى هو المخاطب لا المتكلم، وعلى هذا الوجه يحمل الترجي في هذه الآية، لاستحالة توقع حصول الشيء من عالم الغيب والشهادة، لأن توقع الإنسان لحصول الشيء هو أن يكون مترددا بين الوقوع وعدمه مع رجحان الوقوع، وعليه فيكون المعنى: اعبدوا ربكم راجين أن تكونوا من المتقين، الذين بلغوا الغاية في الهدى والفلاح.

ثم أضاف- سبحانه- أسبابا أخرى تحمل الناس على عبادته وطاعته فقال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً.

الفراش: ما يفترشه الإنسان ليستقر عليه بنحو الجلوس أو المنام. أى: اجعلوا عبادتكم لله الذي صير الأرض لأجلكم مهادا كالبساط المفروش، فذللها لكم ولم يجعلها صعبة غليظة، لكي يتهيأ لكم الاستقرار عليها. والتقلب في مناكبها، والانتفاع بما أودع الله في باطنها من خيرات.

وتصوير الأرض بصورة الفراش لا ينافي كونها كروية، لأن الكرة إذا عظمت جدا كانت القطعة منها كالسطح في إمكان الانتفاع بها.

وَالسَّماءَ بِناءً يقال لسقف البيت بناء أى: جعل السماء كالسقف للأرض، لأنها تظهر كالقبة المضروبة فوقها كما قال- تعالى- وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ.

وقدم خلق الأرض على خلق السماء لأن الأرض أقرب إلى المخاطبين، وانتفاعهم بها أظهر وأكثر من انتفاعهم بالسماء.

قال بعض الأدباء: «إذا تأملت هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منورة كالمصابيح، والإنسان كما لك البيت المتصرف فيه وضروب النبات مهيأة لمنافعه، وضروب الحياة مصروفة لمصالحه «فهذه جملة واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل، وتقدير شامل، وحكمة بالغة، وقدرة غير متناهية» .

<<  <  ج: ص:  >  >>