للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابه أن هذين اللفظين يدخلهما الاشتقاق والتصريف: «فالتوراة والإنجيل اسمان أعجميان:

أحدهما بالعبرية، والآخر بالسريانية، فكيف يليق بالعاقل أن يشتغل بتطبيقهما على أوزان لغة العرب، فظهر أن الأولى بالعاقل أن لا يلتفت إلى هذه المباحث» «١» .

وقوله مِنْ قَبْلُ متعلق «بأنزل» و «هدى» حال من التوراة والإنجيل، ولم يثن لأنه مصدر. ويجوز أن يكون مفعولا لأجله والعامل فيه أنزل.

أى: وأنزل التوراة والإنجيل من قبل تنزيل القرآن لأجل هداية الناس الذين أنزلا عليهم إلى الحق الذي من جملته الإيمان بالنبي صلّى الله عليه وسلّم واتباعه حين يبعث، لأنهما قد اشتملتا على البشارة به والحض على طاعته.

قالوا: فالمراد بالناس من عمل بالتوراة والإنجيل وهم بنو إسرائيل. ويحتمل أنه عام بحيث يشمل هذه الأمة وإن لم نكن متعبدين أى مكلفين ومأمورين بشرع من قبلنا، لأن فيهما ما يفيد التوحيد وصفات الباري والبشارة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم «٢» .

قال الآلوسى: وعبر في جانب التوراة والإنجيل بقوله «أنزل» للإشارة إلى أنهما لم يكن لهما سوى نزول واحد، بخلاف القرآن فإن له نزولين: نزولا من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من سماء الدنيا جملة واحدة، ونزولا من ذلك إليه صلّى الله عليه وسلّم منجما في ثلاث وعشرين سنة على المشهور، ولهذا يقال فيه نزل وأنزل ... » «٣» .

هذا، وليست التوراة التي بين أيدى اليهود اليوم هي التوراة التي أنزلها الله على موسى، فقد بين القرآن في أكثر من آية أن بعض أهل الكتاب قد امتدت أيديهم الأثيمة إلى التوراة فحرفوا منها ما حرفوا، ومن ذلك قوله- تعالى- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.

وقوله: - تعالى- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ.

ومن الأدلة على أن التوراة التي بين أيدى اليهود اليوم ليست هي التي أنزلها الله على موسى:

انقطاع سندها، واشتمالها على كثير من القصص والعبارات والمتناقضات التي تتنزه الكتب السماوية عن ذكرها «٤» .


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ١٧١
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣ ص ٧٦.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٣ ص ٧٦
(٤) راجع ما كتبناه في ذلك «بنو إسرائيل في القرآن والسنة» ج ١ من ص ٨٦- ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>