افتقروا في إثبات هذه الدعوى إلى دليل حتى يحصل الفرق بين دعواهم وبين دعوى الكذابين، فلما أظهر الله على وفق دعواهم تلك المعجزات، حصلت المفارقة بين دعوى الصادق وبين دعوى الكاذب. فالمعجزة هي الفرقان. فلما ذكر الله أنه أنزل الكتاب بالحق، وأنه أنزل التوراة والإنجيل من قبل ذلك، بين أنه- تعالى- أنزل معها ما هو الفرقان الحق، وهو المعجز القاهر الذي يدل على صحتها، ويفيد الفرق بينها وبين سائر الكتب المختلفة» «١» .
والذي نراه أقرب إلى القبول أن المراد بالفرقان هنا جنس الكتب السماوية لأنها جميعها فارقة بين الحق والباطل فيندرج تحتها القرآن وغيره من الكتب السماوية.
ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة المنحرفين عن طريق الحق، الكافرين بآيات الله، فقال:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ أى: إن الذين كفروا بآيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته، وصدق رسله فيما يبلغون عنه، لهم عذاب شديد منه- سبحانه- بسبب كفرهم وجحودهم وَاللَّهُ عَزِيزٌ أى منيع الجانب، غالب على أمره يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وفي قوله وَاللَّهُ عَزِيزٌ إشارة إلى القدرة التامة على العقاب، وفي قوله ذُو انْتِقامٍ إشارة إلى كونه فاعلا للعقاب، ينزله متى شاء، وكيف شاء، بمقتضى قدرته وحكمته وإرادته، والوصف الأول صفة للذات. والثاني صفة للفعل.
ثم أخبر- سبحانه- عن شمول علمه لكل شيء فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ.
أى أنه سبحانه- هو المطلع على كل صغير وكبير. وجليل وحقير، في هذا الكون، لأنه هو الخالق له، والمهيمن على شئونه. وصدق- سبحانه- حيث يقول: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
وذكر- سبحانه- السماء والأرض، للإشارة إلى أن علمه وسع كل شيء، وسع السموات والأرض، وليس الإنسان بالنسبة لهما إلا كائنا صغيرا فكيف لا يعلم- سبحانه- ما يسره هذا الإنسان وما يخفيه؟
وفي تكرير حرف النهى لا تأكيد لنفى خفاء أى شيء عليه- سبحانه- والآية الكريمة وعيد شديد للكافرين بآياته، لأنه- سبحانه- وهو العليم بما يسرونه وما يعلنونه، سيجازيهم بمقتضى علمه بما يستحقونه.
(١) التفسير الكبير للفخر الرازي ج ٧ ص ١٧٣. [.....]