ويقال: أحكمه عن الشيء أى أرجعه عنه ومنعه منه. ويقال حكم نفسه وحكم الناس، أى منع نفسه ومنع الناس عما لا يليق. ويقال أحكم الفرس أى جعل له حكمة تمنعه من الجموح والاضطراب.
وقوله: هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أى أصله الذي فيه عماد الدين وفرائضه وحدوده وما يحتاج إليه الناس في دنياهم وآخرتهم. وأم كل شيء: أصله وعماده.
قال ابن جرير: والعرب تسمى الأمر الجامع المعظم الشيء أما له. فيسمون راية القوم التي تجمعهم في العساكر أمهم. ويسمون المدبر لمعظم أمر البلدة والقرية أمها» «١» .
وقوله مُتَشابِهاتٌ من التشابه بمعنى أن يكون أحد الشيئين مشابها للآخر ومماثلا ومشاكلا له مشاكلة تؤدى إلى الالتباس غالبا. قال: أمور مشتبهة ومشبهة- كمعظمة-: أى مشكلة.
ويقال: شبه عليه الأمر تشبيها: لبس عليه.
ولقد جاء في القرآن ما يدل على أنه كله محكم كما في قوله- تعالى- كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ وجاء فيه ما يدل على أنه كله متشابه كما في قوله- تعالى- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً.
وجاء فيه ما يدل على أن بعضه متشابه كما في الآية التي نحن بصدد تفسيرها. ولا تعارض بين هذه الإطلاقات الثلاثة، لأن معنى إحكامه كله: أنه متقن متين لا يتطرق إليه خلل أو اضطراب. ومعنى كونه كله متشابها أنه يشبه بعضه بعضا في بلاغته وفصاحته وإعجازه وهدايته، ومعنى أن بعضه محكم وبعضه متشابه، فسنبينه بعد سرد بعض الأقوال التي قالها العلماء في تحديد معنى كل منهما.
فمنهم من يرى أن المحكم هو الواضح الدلالة الذي لا يحتمل النسخ، والمتشابه هو الخفى الذي لا يدرك معناه وهو ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة والروح.
ومنهم من يرى أن المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان. والمتشابه هو الذي لا يستقل بنفسه، بل يحتاج إلى بيان، فتارة يبين بكذا، وتارة يبين بكذا، لحصول الاختلاف في تأويله.
ومنهم من يرى أن المحكم هو الذي لا يحتمل في تأويله إلا وجها واحدا والمتشابه هو الذي يحتمل أوجها. ومنهم من يرى أن المحكم ما كانت دلالته راجحة وهو النص والظاهر. أما المتشابه فهو ما كانت دلالته غير راجحة، وهو المجمل والمؤول والمشكل.