للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحذر منهم في أحاديث كثيرة. ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ.. إلخ الآيات قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» «١» .

وقد استجاب الصحابة- رضى الله عنهم- لوصايا الرسول صلّى الله عليه وسلّم فكانوا يتباعدون عن الذين في قلوبهم زيغ. ويزجرونهم ويكشفون عن أباطيلهم.

قال القرطبي: «حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي: قال: أنبأنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار أن صبيغ بن عسل قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء: فبلغ ذلك عمر- رضى الله عنه- فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل. فلما حضر قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. فقال عمر- وأنا عبد الله عمر: ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه فقال حسبك يا أمير المؤمنين!! فقد والله ذهب ما كنت أجد في رأسى» «٢» .

ثم بين- سبحانه- أن تأويل المتشابه مرده إلى الله- تعالى- وأن الراسخين في العلم يعلمون منه ما يوفقهم الله لمعرفته فقال، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.

وقوله- تعالى- وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ من الرسوخ وهو الثبات والتمكن وأصله في الأجرام، أن يرسخ الجبل والشجر في الأرض، واستعمل في المعاني ومنه رسخ الإيمان في القلب. أى ثبت واستقر وتمكن.

والألباب، جمع لب وهو- كما يقول الراغب- العقل الخالص من الشوائب وسمى بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه، كاللباب واللب من الشيء وقيل هو ما زكا من العقل، فكل لب عقل وليس كل عقل لبا، ولهذا علق الله- تعالى- الأحكام التي لا يدركها إلا العقول الزكية بأولى الألباب» «٣» .

قال الآلوسى: «وقوله وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ في موضع الحال من


(١) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ج ٦ ص ٤٢. طبعة مصطفى الحلبي سنة ١٣٤٥ هـ
(٢) تفسير القرطبي ج ٤ ص ١٤
(٣) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص ٦٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>