للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والباء للسببية أى أخذهم بسبب ما اجترحوه من ذنوب. أو الملابسة والمصاحبة. أى أخذهم وهم متلبسون بذنوبهم دون أن يتوبوا منها أو يقلعوا عنها، والجملة على الوجهين تدل على كمال عدل الله- تعالى- لأنه ما عاقبهم إلا لأنهم استحقوا ذلك.

وأصل الذنب: الأخذ بذنب الشيء، أى بمؤخرته ثم أطلق على الجريمة لأن مرتكبها يعاقب بعدها.

وفي قوله: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ إشارة إلى أن شدة العقاب سببها شدة الجريمة وتعليم للناس بأن كل فعل له جزاؤه، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وتقرير وتأكيد لمضمون ما قبلها.

ثم أنذر الله- تعالى- الكافرين بسوء المصير، وبشر المؤمنين بحسن العاقبة فقال- تعالى-:

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ.

وقد وردت روايات في سبب نزول هذه الآية والتي بعدها. من أشهرها: ما ذكره ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أصاب من قريش ما أصاب في غزوة بدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بنى قينقاع وقال: «يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أنى نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» فقالوا يا محمد، لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا «١» لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة. إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله- تعالى- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ إلى قوله- تعالى- لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ «٢» . والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين الذين يدلون بقوتهم، ويغترون بأموالهم وأولادهم وعصبيتهم.. قل لهم ستغلبون وتهزمون في الدنيا على أيدى المؤمنين وتحشرون يوم القيامة ثم تساقون إلى نار جهنم لتلقوا فيها مصيركم المؤلم، وَبِئْسَ الْمِهادُ أى بئس المكان الذي هيئوه لأنفسهم في الآخرة بسبب سوء فعلهم. والمهاد: المكان الممهد الذي ينام عليه كالفراش.

ولقد أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يتولى الرد عليهم. وأن يواجههم بهذا الخطاب المشتمل على التهديد والوعيد، لأنهم كانوا يتفاخرون عليه بأموالهم وبقوتهم، فكان من المناسب أن يتولى صلّى الله عليه وسلّم الرد عليهم، وأن يخبرهم بأن النصر سيكون له ولأصحابه، وأن الدائرة ستدور عليهم.

وقوله سَتُغْلَبُونَ إخبار عن أمر يحصل في المستقبل، وقد وقع كما أخبر به الله- تعالى-


(١) الأغمار: جمع غمر- بضم الغين- وهو الجاهل الذي لم يجرب الأمور.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>