للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أولها: فقد عبر عنه القرآن بقوله: «من النساء ولا شك أن المحبة بين الرجال والنساء شيء فطري في الطبيعة الإنسانية، ويكفى أن الله- تعالى- قد قال في العلاقة بين الرجل والمرأة هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ «١» .

وقال- تعالى- في آية ثانية وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً «٢» وإن بعض الرجال قد يستهين بكل شيء في سبيل الوصول إلى المرأة التي يهواها ويشتهيها والأمثال على ذلك كثيرة ولا مجال لذكرها هنا وصدق رسول الله حيث يقول: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» «٣» ، ولذا قدم القرآن اشتهاءهن على كل شهوة. ومِنَ في قوله مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ بيانية، وهي مع مجرورها في محل نصب على الحال من الشهوات. واكتفى القرآن بذكر محبة الرجل للمرأة مع أن المرأة كذلك تحب الرجل بفطرتها لأن ذكر محبة أحدهما للآخر يغنى عن ذكر الطرفين معا، وما يستفاد بالإشارة يستغنى فيه عن العبارة خصوصا في هذا المجال الذي يحرص في القرآن على تربية الحياء والأدب في النفوس، ولأن المرأة في هذا الباب يهمها أن تكون مطلوبة لا طالبة. وحتى لو كانت محبتها للرجل أشد فإنها تحاول أن تثير فيه ما يجعله هو الذي يطلبها لا هي التي تطلبه.

وأما ثانى المشتهيات: فقد عبر عنه القرآن بقوله وَالْبَنِينَ جمع ابن، وهو معطوف على ما قبله، وقد ذكر حب البنين بعد حب النساء لأن البنين ثمرة حب النساء، واكتفى بذكر البنين، لأنهم موضع الفخر في العادة وحب الأولاد طبيعة في النفس البشرية فهم ثمرات القلوب، وقرة الأعين ومهوى الأفئدة، ومطمح الآمال، ولقد تمنى الذرية جميع الناس حتى الأنبياء فهذا سيدنا إبراهيم يقول: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ وسيدنا زكريا يقول: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ.

والإنسان في سبيل حبه لأولاده يضحى براحته، وقد يجمع المال من أجلهم من حلال ومن حرام، وقد يرتكب بعض الأعمال التي لا يريد ارتكابها إرضاء لهم، وقد يمتنع عن فعل أشياء هو يريد فعلها لأن مصلحتهم تقتضي ذلك.

وصدق الله إذ يقول: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

وصدق رسوله صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول:

«الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة» أى أن الأبناء يجعلون آباءهم يجبنون خوفا من


(١) سورة البقرة الآية ص ١٨٧.
(٢) سورة الروم آية ٢١.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب النكاح. باب ما يتقى من شؤم المرأة ج ٧ ص ١١ طبعة المجلس سنة ١٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>