للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى ذلك المذكور من النساء والبنين وما عطف عليهما هو موضع الزينة، ومطلب الناس الذي يستمتعون به، ويرغبون فيه، ويشتهونه اشتهاء عظيما في حياتهم، والله- تعالى- عنده المرجع الحسن وهو الجنة، فهي الأحق بالرغبة فيها لبقائها دون المتع الفانية.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد ذكرت المشتهيات التي جبل الإنسان على الميل إليها، وصياغة الفعل للمجهول زُيِّنَ لِلنَّاسِ للإشارة إلى أن محبة هذه الأشياء واشتهاءها مركوز في الفطرة الإنسانية منذ أوجد. الله الإنسان في هذه الحياة الدنيا.

وهذه المتشهيات ليست خسيسة في ذاتها، ولا يقصد الإسلام إلى تخسيسها في ذاتها أو إلى التنفير منها، وإنما الإسلام يريد من أتباعه أن يقتصدوا في طلبها، وأن يطلبوها من وجوهها المشروعة، وأن يضعوها في مواضعها المشروعة، وأن يشكروا الله عليها، وألا يجعلوها غاية مقصدهم في هذه الحياة إن الإسلام لا يحارب الفطرة الإنسانية التي تشتهي هذه الأشياء، وإنما يهذبها ويضبطها ويرشدها إلى أن تضع هذه الأشياء في موضعها المناسب، بحيث لا تطغى على غيرها ولا تستعمل في غير ما خلقها الله من أجله، وبذلك يسعد الإنسان في دينه ودنياه وآخرته.

وللإمام ابن كثير كلام حسن عند تفسيره لهذه الآية فقد قال ما ملخصه: يخبر الله- تعالى- عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد.. فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه كما وردت الأحاديث بذلك.. وحب المال كذلك تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر..

فيكون مذموما، وتارة يكون للنفقة في وجوه البر فيكون محمودا.. وحب الخيل على ثلاثة أقسام، تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله متى احتاجوا إليها غزوا عليها فهؤلاء يثابون. وتارة تربط فخرا ومناوأة لأهل الإسلام فهذه على صاحبها وزر. وتارة تربط للتعفف واقتناء نسلها ولم ينس صاحبها حق الله فيها فهذه لصاحبها ستر. وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «خير مال المرء مهرة مأمورة أو سكة مأبورة» والسكة النخل المصطف، والمأبورة الملقحة، «١» . وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما من مسلم غرس غرسا أو زرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقه» «٢» .

هذا، وختام الآية الكريمة بقوله ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ إشارة


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٥١- بتصرف وتلخيص.
(٢) تفسير القرطبي ج ٤ ص ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>