للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي قال: أنبئكم به، فلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير» «١» .

وثانى هذه النعم عبر عنه- سبحانه- بقوله خالِدِينَ فِيها أى أن هؤلاء الذين اتقوا ربهم خالدون في تلك الجنات التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين خلودا أبديّا، بخلاف أولئك المنعمين بنعم الدنيا فإن نعيمهم إلى فناء وزوال.

وثالث هذه النعم قوله- تعالى- وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ.

والأزواج: جمع زوجة وهي المرأة يختص بها الرجل. أى ولهم في تلك الجنات أزواج مطهرة غاية التطهير من كل دنس وقذر حسى ومعنوي، فقد وصف- سبحانه- هؤلاء الأزواج بصفة واحدة جامعة لكل ما يتمناه الرجل في المرأة.

ورابع هذه النعم قوله- تعالى- وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وهذه النعمة هي أعظم النعم وأجلها أى لهم رضا عظيم من خالق الخلق، ومبدع الكون، ومنشئ الوجود. وهو مصدر كالرضا، ولكن يزيد عليه أنه الرضا العظيم، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولأن التنكير قصد به التفخيم والتعظيم.

وقوله مِنَ اللَّهِ صفة لرضوان مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة.

روى الشيخان عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله- عز وجل- يقول لأهل الجنة يوم القيامة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟

فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا: يا ربنا وأى شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» «٢» .

هذه هي اللذائذ والمتع والنعم التي أعدها الله- تعالى- لعباده المتقين.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ أى أنه- سبحانه- عليم بأحوال عباده، لا تخفى عليه خافية من شئونهم. وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى. ففي هذا التذييل وعد للمتقين ووعيد للمسيئين.

ثم حكى- سبحانه- أقوال هؤلاء المتقين ومدحهم على إيمانهم وصلاحهم فقال- تعالى- الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ أى أن هذه الجنات وغيرها من أنواع النعم قد أعدها الله- تعالى- لهؤلاء المتقين الذين يضرعون إلى الله ملتمسين منه المغفرة


(١) تفسير ابن جرير ج ٣ ص ٢٠٦ طبعة مصطفى الحلبي الطبعة الثانية سنة ١٣٧٣ هـ ١٩٥٤ م
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق. باب صفة الجنة والنار ج ٩ ص ١٤٨. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>