للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» «١» .

وقوله يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ جواب الأمر، وهو قوله فَاتَّبِعُونِي. وهذا رأى الخليل.

ويرى أكثر المتأخرين من النحاة أن قوله «يحببكم الله» جواب لشرط مقدر دل عليه المقام والتقدير: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني، وإن اتبعتمونى يحببكم الله، أى يمنحكم الثواب الجزيل، والأجر العظيم، والرضا الكبير.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن أول علامات محبة العبد لربه، هي اتباع رسوله صلّى الله عليه وسلّم وأن هذا الاتباع يؤدى إلى محبة الله- تعالى- لهذا العبد وإلى مغفرة ذنوبه.

ومحبة الله لعبده هي منتهى الأمانى، وغاية الآمال، ولذا قال بعض الحكماء: «ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تحب» .

ومحبة الله إنما تتأتى بإخلاص العبادة والوقوف عند حدوده والاستجابة لتعاليم رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم وكل من يدعى أنه محب الله وهو معرض عن أوامره ونواهيه فهو كاذب في دعواه كما قال الشاعر الصوفي:

تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

ثم ختم- سبحانه- الآية بوصفين جليلين فقال: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أى أنه- سبحانه- كثير الغفران والرحمة لمن تقرب إليه بالطاعة، واتبع رسوله فيما جاء به من عنده.

ثم كرر- سبحانه- الأمر لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يحض الناس على اتباع ما يسعدهم فقال له:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ.

أى قل لهم يا محمد أطيعوا الله وأطيعوا رسوله في جميع الأوامر والنواهي، وإن من يدعى أنه مطيع الله دون أن يتبع رسوله فإنه يكون كاذبا في دعواه، ولذا لم يقل- سبحانه- أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، للإشعار بأن الطاعة واحدة وأن طاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم طاعة الله تعالى، كما قال سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «٢» .

ثم ذكر- سبحانه- عاقبة العصاة المعاندين فقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ أى: فإن أعرضوا عما تأمرهم به يا محمد ولم يستجيبوا لك واستمروا على كفرهم، فإنهم لا ينالون محبة الله، لأنهم كافرون.


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٥٨.
(٢) سورة النساء من الآية ٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>