للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفعال: صيغة مبالغة- كمطعان- فسمى به المكان، لأن المحاربين نفوسهم كثيرون فيه و «كلما» ظرف على أن «ما» مصدرية، والزمان محذوف أو نكرة موصوفة معناها الوقت، والعائد محذوف والعامل فيها جوابها.

والمعنى: كل زمان دخل عليها أو كل وقت دخل عليها فيه «وجد عندها رزقا» أى أصاب ولقى بحضرتها ذلك أو وجد ذلك كائنا بحضرتها. أخرجه بن جرير عن الربيع قال: «إنه كان لا يدخل أحد سوى زكريا فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف» والتنوين في رِزْقاً للتعظيم.. «١» .

وهذا دليل على قدرة الله- سبحانه- على كل شيء، وعلى رعايته لمريم، فقد رزقها- سبحانه- من حيث لا تحتسب، ودليل على وقوع الكرامة لأوليائه- تعالى-.

ولقد كان وجود هذا الرزق عند مريم دون أن يعرف زكريا- عليه السّلام- مصدره مع أنه لا يدخل عليها أحد سواه كان ذلك محل عجبه، لذا حكى القرآن عنه: قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا أى من أين لك هذا الرزق العظيم الذي لا أعرف سببه ومصدره. وأَنَّى هنا بمعنى من أين.

والجملة الكريمة استئناف مبنى على سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال زكريا عند مشاهدة هذا الرزق؟ فكان الجواب: قال يا مريم من أين لك هذا.

ولقد كانت إجابة مريم على زكريا تدل على قوة إيمانها، وصفاء نفسها. فقد أجابته بقولها- كما حكى القرآن عنها- قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أى: قالت له إن هذا الرزق من عند الله- تعالى- فهو الذي رزقني إياه وسافه إلى بقدرته النافذة.

وقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ جملة تعليلية. أى: إن الله تعالى، يرزق من يشاء أن يرزقه رزقا واسعا عظيما لا يحده حد، ولا تجرى عليه الأعداد التي تنتهي، فهو- سبحانه- لا يحاسبه محاسب، ولا تنقص خزائنه من أى عطاء مهما كثر وعظم.

وهذه الجملة الكريمة يحتمل أنها من كلام الله- تعالى- فتكون مستأنفة، ويحتمل أنها من كلامها الذي حكاه القرآن عنها، فتكون تعليلية في محل نصب داخلة تحت القول.

هذا وفي تلك الآيات التي حكاها القرآن عن مريم وأمها نرى كيف يعمل الإيمان عمله في القلوب فينقيها ويصفيها ويحررها من رق العبودية لغير الله الواحد القهار وكيف أن الله تعالى،


(١) تفسير الآلوسى ج ٣ ص ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>