للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض العلماء: وكان عدد هؤلاء الحواريين اثنى عشر رجلا آمنوا بعيسى وصدقوه ولازموه في دعوته إلى الحق.

ثم حكى- سبحانه ما كان من بنى إسرائيل فقال: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ والمكر: التدبير المحكم. أو صرف غيرك عما يريده بحيلة. وهو مذموم إن تحرى به الفاعلي الشر والقبيح كما فعل اليهود مع عيسى- عليه السلام- ومحمود إن تحرى به الفاعلي الخير والجميل.

والمعنى: أن أولئك اليهود الذين أحس عيسى منهم الكفر دبروا له القتل غيلة واتخذوا كل الوسائل لتنفيذ مآربهم الذميمة. فأحبط الله- تعالى- مكرهم، وأبطل تدبيرهم بأن نجى نبيه عيسى- عليه السلام- من شرورهم وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أى أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا، وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب.

ثم حكى- سبحانه- بعض مظاهر قدرته، ورعايته لعبده عيسى- عليه السلام- وخذلانه لأعدائه فقال- تعالى. إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ.

وللعلماء في تفسير هذه الآية الكريمة أقوال كثيرة أشهرها قولان:

أما القول الأول: وهو قول جمهور العلماء- فيرى أصحابه أن معنى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ أى قابضك من الأرض ورافعك إلى السماء بجسدك وروحك لتستوفى حظك من الحياة هناك.

وأصحاب هذا الرأى لا يفسرون التوفي بالموت وإنما يقولون: إن التوفي في اللغة معناه أخذ الشيء تاما وافيا. فمعنى مُتَوَفِّيكَ آخذك وافيا بروحك وجسدك ومعنى وَرافِعُكَ إِلَيَّ ورافعك إلى محل كرامتي في السماء فالعطف للتفسير. يقال: وفيت فلانا حقه أى أعطيته إياه وافيا فاستوفاه وتوفاه أى أخذه وافيا كاملا.

قال القرطبي: «قال الحسن وابن جريج: معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت، مثل توفيت مالي من فلان أى قبضته» «١» .

أما القول الثاني: وهو قول قلة من العلماء- فيرى أصحابه أن معنى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ أى مميتك ورافع منزلتك وروحك إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي كما ترفع أرواح الأنبياء إليه- سبحانه-.


(١) تفسير القرطبي ج ٤ ص ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>