قال القرطبي: والمراد بالرسول هنا محمد صلّى الله عليه وسلّم واللفظ وإن كان نكرة فالإشارة إلى معين، كقوله- تعالى- «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً» إلى قوله- تعالى- «وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ» فأخذ الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وينصروه إن أدركوه، وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم» «١» .
ثم حكى- سبحانه- ما قاله لهم بعد أن أمرهم بالإيمان بهذا الرسول وبنصرته فقال:
«قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي» ؟.
والإصر: العهد. وأصله من الإصار- أى الحبال التي يعقد بها الشيء ويشد- وسمى العهد إصرا لأنه تقوى به الأقوال والعقود.
أى- قال الله- تعالى- للنبيين: أأقررتم بهذا الذي أمرتكم به وقبلتم عهدي؟ والاستفهام للتقرير والتوكيد عليهم لاستحالة معناه الحقيقي في حقه- سبحانه-.
ثم حكى- سبحانه- ما أجاب به الرسل وما رد به عليهم فقال: «قالُوا أَقْرَرْنا، قالَ: فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» .
أى: قال الرسل مجيبين لخالقهم- عز وجل- أقررنا يا ربنا وقبلنا عهدك وأطعناه.
فرد عليهم- سبحانه- بقوله: «فَاشْهَدُوا» أى فليشهد بعضكم على بعض بهذا الإقرار، وأنا على إقراركم وإشهاد بعضكم على بعض من الشاهدين.
وهذا توكيد عليهم، وتحذير من الرجوع.
ثم بين- سبحانه- عاقبة الناكثين لعهودهم فقال: «فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» .
أى فمن أعرض عن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وعن نصرته، بعد أخذ الميثاق المؤكد عليه، فأولئك المعرضون «هُمُ الْفاسِقُونَ» أى الخارجون عن الإيمان إلى أفحش دركات الكفر والخيانة.
والفاء في قوله «فَمَنْ تَوَلَّى» للتفريع، و «من» يجوز أن تكون شرطية ويكون قوله «فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» جوابها.
ويجوز أن تكون موصولة، ويكون قوله «فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» هو الخبر.
والضمير في قوله «تَوَلَّى» يعود على «من» بالإفراد باعتبار لفظها، ويعود عليها بصيغة الجمع في قوله «فأولئك» باعتبار معناها.
(١) تفسير القرطبي ج ٤ ص ١٢٥.