وعهد الله: تارة يكون بما ركز في العقول من الحجة على التوحيد، وتارة يكون بما أوجبه الله على الناس على لسان رسله- صلوات الله عليهم- وتارة بما يلتزمه المؤمن. وليس بلازم له في أصل الشرع مما ليس بمعصية كالنذور وما يجرى مجراها.
والميثاق: التوثقة، وهي التقوية والتثبيت، والمراد به: ما قوى الله به عهده.
وقوله: مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ متعلق بينقضون، ومن لابتداء الغاية، وميثاقه الضمير فيه يجوز أن يعود على العهد، وأن يعود على اسم الله- تعالى- فهو على الأول مصدر مضاف إلى المفعول، وعلى الثاني مضاف للفاعل.
أما الصفة الثانية التي وصفهم الله بها فهي قوله:«ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل» وهو عام في كل قطيعة لا يرضاها الله، كقطع الرحم، والإعراض عن موالاة المؤمنين، وترك الجماعات المفروضة، وعدم وصل الأقوال الطيبة بالأعمال الصالحة، وسائر ما فيه رفض خير أو تعاطى شر، وأما الصفة الثالثة التي وصفهم بها فهي قوله- تعالى-:
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ.
والفساد في الأرض يقع بعبادة غير الله، وبالدعاية إلى الكفر به، وبالاستهزاء بالحق، وبالاعتداء على حقوق الغير، وبغير ذلك من الأمور التي حرمها الله- تعالى-.
وعبر بقوله: فِي الْأَرْضِ للإشعار بأن فسادهم لا يقتصر عليهم، وإنما هو يتعداهم إلى غيرهم.
ثم بين- سبحانه- بعد أن دمغهم بتلك الصفات المرذولة- عاقبة أمرهم فقال: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
الخاسرون: جمع خاسر مأخوذ من الخسر والخسران وهو النقص، ومن نقض عهد الله، وقطع ما أمر الله بوصله، وأفسد في الأرض، لا شك أنه قد نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز، وكانت عاقبته الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.
قال ابن جرير:«والخاسرون جمع خاسر، وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم من رحمة الله بسبب معصيتهم له، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، وكذلك المنافق والكافر قد خسرا بحرمان الله لهما من رحمته التي خلقها لعباده «١» ... » .
(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٤١٧ طبعة دار المعارف. [.....]