للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان محرما على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا، فأنزل الله هذه الآيات تكذيبا لهم» «١» .

والطعام: مصدر بمعنى المطعوم، والمراد به هنا كل ما يطعم ويؤكل.

وحلا: مصدر أيضا بمعنى حلالا، والمراد الإخبار عن أكل الطعام بكونه حلالا، لا نفس الطعام، لأن الحل كالحرمة مما لا يتعلق بالذوات.

وإسرائيل: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليهم الصلاة والسلام-.

والمعنى: كل أنواع الأطعمة كانت حلالا لبنى إسرائيل قبل نزول التوراة إلا شيئا واحدا كان محرما عليهم قبل نزولها وهو ما حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه، فإنهم حرموه على أنفسهم اقتداء به، فلما أنزل الله التوراة حرم عليهم فيها بعض الطيبات بسبب بغيهم وظلمهم.

هذا هو الحق الذي لا شك فيه، فإن جادلوك يا محمد في هذه المسألة فقل لهم على سبيل التحدي: أحضروا التوراة فاقرءوها ليتبين الصادق منا من الكاذب، إن كنتم صادقين في زعمكم أن ما حرمه الله عليكم فيها كان محرما على نوح وإبراهيم- عليهما الصلاة والسلام-.

فالآية الكريمة قد تضمنت أمورا من أهمها:

أولا: إبطال حجتهم فيما يتعلق بقضية النسخ، إذ زعموا أن النسخ محال، واتخذوا من كون النسخ مشروعا في الإسلام ذريعة للطعن في نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم فدحض القرآن مدعاهم وألزمهم الحجة عن طريق كتابهم.

ولذا قال الإمام ابن كثير: الآية مشروع في الرد على اليهود، وبيان بأن النسخ الذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع، فإن الله- تعالى- قد نص في كتابهم التوراة أن نوحا- عليه السّلام- لما خرج من السفينة أباح الله له جميع دواب الأرض يأكل منها، ثم بعد هذا حرم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل وألبانها فاتبعه بنوه فيما حرم على نفسه، وجاءت التوراة بتحريم ذلك، وبتحريم أشياء زيادة على ذلك- عقوبة لهم بسبب بغيهم وظلمهم. وهذا هو النسخ بعينه» «٢» .

وقد صرح ابن كثير وغيره من المفسرين أن ما حرمه إسرائيل على نفسه هو لحوم الإبل وألبانها، وبذلك جاءت بعض الروايات عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان تحريمه لها تعبدا وزهادة وقهرا للنفس طلبا لمرضاة الله- تعالى-.


(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٣- بتصرف يسير-. [.....]
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٨٢- بتصرف وتلخيص-.

<<  <  ج: ص:  >  >>