والجواب أن الوضع غير البناء، فالذي أسس المسجد الأقصى ووضعه في الأرض بأمر الله سيدنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وبين إبراهيم ويعقوب هذه المدة التي جاءت في الحديث، أما سليمان فلم يكن مؤسسا للمسجد الأقصى أو واضعا له وإنما كان مجددا فلا إشكال ولا منافاة.
وإذن فالبيت الحرام أسبق بناء من المسجد الأقصى، وأجمع منه للديانات السماوية، وهو- أى البيت الحرام- أول بيت جعل الله الحج إليه عبادة مفروضة على كل قادر على الحج، وجعل الطواف حوله عبادة، وتقبيل الحجر الأسود الذي هو ضمن بنائه عبادة.. ولا يوجد بيت سواه في الأرض له من المزايا والخصائص ما لهذا البيت الحرام.
وبذلك ثبت كذب اليهود في دعواهم أن المسجد الأقصى أفضل من المسجد الحرام، وأن في تحول الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة في صلاته مخالفة للأنبياء قبله.
ثم مدح الله- تعالى- بيته بكونه مُبارَكاً أى كثير الخير دائمه، من البركة وهي النماء والزيادة والدوام.
أى أن هذا البيت كثير الخير والنفع لمن حجه أو اعتمره أو اعتكف فيه، أو طاف حوله، بسبب مضاعفة الأجر، وإجابة الدعاء، وتكفير الخطايا لمن قصده بإيمان وإخلاص وطاعة الله رب العالمين.
وإن هذا البيت في الوقت ذاته وفير البركات المادية والمعنوية.
فمن بركاته المادية: قدوم الناس إليه من مشارق الأرض ومغاربها ومعهم خيرات الأرض، يقدمونها على سبيل تبادل المنفعة تارة وعلى سبيل الصدقة تارة أخرى لمن يسكنون حول هذا البيت الحرام، إجابة لدعوة سيدنا إبراهيم حيث قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ «١» ومن بركاته المعنوية: أنه مكان لأكبر عبادة جامعة للمسلمين وهي فريضة الحج، وإليه يتجه المسلمون في صلاتهم على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأماكنهم.
وقوله مُبارَكاً حال من الضمير في «وضع» .
ثم مدحه بأنه هُدىً لِلْعالَمِينَ أى بذاته مصدر هداية للعالمين، لأنه قبلتهم ومتعبدهم، وفي استقباله توجيه للقلوب والعقول إلى الخير وإلى ما يوصلهم إلى رضا الله وجنته.