لم يؤمنوا فامتنع الخير فيهم لامتناع الإيمان الصحيح منهم، ولإيثارهم الضلالة على الهداية فهذه الجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ.. ومرتبطة بها.
ولم يذكر متعلق آمَنَ هنا لأن المراد لو اتصفوا بالإيمان الذي هو لقب وشعار للإيمان بدين الإسلام الذي أتى به محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي منه أطلقت صفة الذين آمنوا على المسلمين فصار كالعلم بالغلبة.
وقال- سبحانه- لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أى: لو آمنوا لكان إيمانهم خيرا لهم بدون تفصيل لهذه الخيرية لتذهب نفوسهم كل مذهب في الرجاء والإشفاق.
ثم أخبر- سبحانه- بأن قلة من أهل الكتاب اختاروا الإيمان على الكفر فقال- تعالى- مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ.
أى: من أهل الكتاب أمة آمنت بالله وصدقت رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم واتبعت ما جاء به من الحق وأكثرهم معرضون عن الإيمان بالله وبرسوله صلّى الله عليه وسلّم وخارجون عن الطريق المستقيم الذي أمرت باتباعه الشرائع والعقول السليمة.
فالجملة الكريمة إنصاف للقلة المؤمنة التي آمنت من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره ممن دخل في الإسلام. وذم لأكثر أهل الكتاب الذين جحدوا الحق. وخرجوا عن الطريق القويم.
وقوله مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ جملة مستأنفة استئنافا بيانيا، فهي جواب للجملة الشرطية التي قبلها. فكأنه قيل: هل منهم من آمن أو كلهم على الكفر؟ فكان الجواب: منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون.
وعبر عن كفرهم بالفسق، للإشعار بأنهم قد فسقوا في دينهم أيضا فهم ليسوا عدولا فيه، وبذلك يكونون قد خرجوا عن الإسلام وعما أوجبته عليهم كتبهم من الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم.
ثم بشر الله- تعالى- المؤمنين، بأن هذه الكثرة الفاسقة من أهل الكتاب التي عتت عن أمر ربها وناصبت المؤمنين العداء، لن تضرهم ضررا بليغا له أثر مادام أهل الإيمان مستمسكين بدينهم ومنفذين لتعاليمه وآدابه، فقال- سبحانه- لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً أى «لن يضركم أهل الكتاب يا معشر المؤمنين إلا ضررا يسيرا، كأن يؤذوكم بألسنتهم ويلقوا الشبه بينكم ليصدوا من ضعف إيمانه عن الحق، وفي هذا تثبيت للمؤمنين، وطمأنينة لقلوبهم، إذ الضرر الذي يصيب الأمة الإسلامية من أعدائها على قسمين: