اصطفاهم من خلقه للنبوة والرسالة. قال تعالى:
جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وقال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ وقال- تعالى-: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ.
و (الخليفة) من يخلف غيره وينوب منابه، فهو فعيل بمعنى فاعل، والتاء فيه للمبالغة، والمراد به آدم- عليه السلام- لأنه كان خليفة من الله في الأرض، وكذلك سائر الأنبياء استخلفهم الله- تعالى- في عمارة الأرض، وسياسة الناس، وتكميل نفوسهم، وإجراء أحكامه عليهم، وتنفيذ أوامره فيهم. وقيل: آدم وذريته، لأنه يخلف بعضهم بعضا في عمارة الأرض، واستغنى بذكره عن ذكر ذريته لكونه الأصل.
وخطاب الله لملائكته بأنه سيجعل في الأرض خليفة، ليس المقصود منه المشورة، وإنما خاطبهم بذلك من أجل ما ترتب عليه من سؤالهم عن وجه الحكمة من هذه الخلافة، وما أجيبوا به من بعد، أو من أجل تعليم العباد المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم وإن كان هو- سبحانه- بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة. أو الحكمة تعظيم شأن المجهول، وإظهار فضله، بأن بشر بوجود سكان ملكوته، ونوه بعظيم شأن المجعول بذكره في الملأ الأعلى قبل إيجاده، ولقبه بالخليفة.
ثم حكى- سبحانه- إجابة الملائكة فقال:
قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ.
الفساد: الخروج عن الاعتدال والاستقامة ويضاده الصلاح. يقال فسد الشيء فسادا وفسودا وأفسده غيره.
والسفك: الصب والإهراق، يقال: سفكت الدم والدمع سفكا- من باب ضرب- صببته. والفاعل سافك وسفاك، والمراد به حصول التقاتل بين أفراد بنى الإنسان ظلما وعدوانا.
والتسبيح: مشتق من السبح وهو المر السريع في الماء أو في الهواء، فالمسبح مسرع في تنزيه الله وتبرئته من السوء.
والتقديس: التطهير والتعظيم ووصفه بما يليق به من صفات الكمال.
فيكون التسبيح نفى ما لا يليق، والتقديس إثبات ما يليق، وقدم التسبيح على التقديس من باب تقديم التخلية على التحلية.
والمعنى: أتجعل في الأرض يا إلهنا من يفسد فيها ويريق الدماء والحال أننا نحن ننزهك عما