للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- مادمتم مستمسكين بدينكم-، فإن قاتلوكم وأنتم على هذه الحال، أمدكم الله بنصره، وألقى في قلوبهم الرعب فيولونكم الأدبار انهزاما منكم، ثم لا ينصرون عليكم بل تنصرون أنتم عليهم.

والتعبير عن الهزيمة بتولية الأدبار، فيه إشارة إلى جبنهم وأنهم يفرون فرارا شديدا بذعر وهلع.

وهكذا كان الشأن في قتال المسلمين الأولين لأعداء الله وأعدائهم، فلقد قاتل المؤمنون اليهود من بنى قينقاع والنضير وقريظة وأهل خيبر فانتصر المسلمون عليهم انتصارا باهرا.

وقاتلوا جموع الروم في بلاد الشام وفي مصر، فكان النصر المؤزر حليفا للمسلمين مع قلتهم وكثرة أعدائهم.

وقوله ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ احتراس. أى: يولونكم الأدبار تولية المنهزم، لا تولية المتحرف لقتال أو المتحيز إلى فئة أو المتأمل في الأمر.

والتعبير بثم لإفادة التراخي في المرتبة: لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليهم الأدبار.

وهذه الجملة خبرية وهي معطوفة على جملتي الشرط وجزائه معا، للإشعار بأن هذا ديدنهم، وأنهم لن ينتصروا على المسلمين لا في قتال ولا في غيره، مادام المسلمون مستقيمين على الطريقة التي رسمها الله- تعالى- لهم.

وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال: فإن قلت: هلا جزم المعطوف في قوله ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ قلت: عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء كأنه قيل أخبركم أنهم لا ينصرون.

فإن قلت: فأى فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟ قلت لو جزم لكان النصر مقيدا بمقاتلتهم كتولية الأدبار وحين رفع كان نفى النصر وعدا مطلقا كأنه قال. ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتف عنهم النصر والقوة لا ينهضون بعدها بجناح ولا يستقيم لهم أمر، وكان كما أخبر من حال بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع ويهود خيبر فإن قلت: فما الذي عطف عليه هذا الخبر؟ قلت: جملة الشرط والجزاء كأنه قيل: أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قلت فما معنى التراخي في ثم؟ قلت:

التراخي في المرتبة، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار فإن قلت: ما موقع الجملتين، أعنى مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ولَنْ يَضُرُّوكُمْ قلت هما كلامان واردان

<<  <  ج: ص:  >  >>