وقوله: آناءَ اللَّيْلِ أى أوقاته وساعاته. والآناء جمع إنى- كمعا وأمعاء- أو جمع أنى- كعصا-، أو جمع أنى وإنى وإنو. فالهمزة في آناء منقلبة عن ياء كرداء: أو عن واو ككساء.
والمراد بالسجود في قوله: وَهُمْ يَسْجُدُونَ الصلاة لأن السجود لا قراءة فيه وإنما فيه التسبيح، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنى نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» .
والمعنى: ليس أهل الكتاب متساوين في الاتصاف بما ذكر من القبائح، بل منهم قوم سلموا منها، وهم الذين استقاموا على الحق ولزموه، وأكثروا من تلاوة آيات الله في صلاتهم التي يتقربون بها إلى الله- تعالى- آناء الليل وأطراف النهار.
قال الآلوسى ما ملخصه. والمراد بصلاتهم هذه التهجد- على ما ذهب إليه البعض-.
وعلل هذا بأنه أدخل في المدح وفيه تتيسر لهم التلاوة، لأنها في المكتوبة وظيفة الإمام.
والذي عليه بعض السلف أنها صلاة العتمة. واستدل عليه بما أخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود قال أخر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: «أما إنه لا يصلى هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب» . وعبر عن الصلاة بالسجود، لأنه أدل على كمال الخضوع والصلاة تسمى سجودا وسجدة، وركوعا وركعة «١» .
ثم وصفهم- سبحانه- بصفات أخرى كريمة فقال: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والمراد بهذا الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به على الوجه المقبول الذي نطق به الشرع، وجاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. أى ويؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب وجنة ونار وقوله:
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ إشعار بأنهم لم يكتفوا بتكميل أنفسهم بالفضائل التي من أشرفها الإيمان بالله واليوم الآخر، والإكثار من إقامة الصلاة ومن تلاوة القرآن، بل أضافوا إلى ذلك إرشاد غيرهم إلى الخير الذي أمر الله به، ونهيه عن الباطل الذي يبغضه الله، وتستنكره العقول السليمة.
وقوله- تعالى- وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ أى يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات التي ترفع درجاتهم عند الله- تعالى- بدون تردد أو تقصير.
وقال- سبحانه-: وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ولم يقل إلى الخيرات للإشعار بأنهم
(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٣٤. [.....]