وبعد هذا السبح الطويل في الحديث عما دار بين المسلمين وبين أعدائهم من حرب كلامية وفكرية ونفسية ... انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن حروب السيف والسنان، وما صاحبها من أفكار وأقوال وأفعال.
فقد حدثتنا السورة الكريمة في حوالى ستين آية عن جوانب متعددة من غزوة «أحد» تلك الغزوة التي كانت لها آثارها الهامة في حياة المسلمين وأحوالهم.
ولعل من الخير- قبل أن نبدأ في تفسير الآيات الكريمة التي وردت في سورة آل عمران بشأن هذه الغزوة- أن نسوق خلاصة تاريخية لهذه الغزوة تعين على فهم الآيات المتعلقة بها، فتقول:
كانت غزوة بدر من الغزوات المشهورة في تاريخ الدعوة الإسلامية، فقد انتصر المسلمون فيها انتصارا مؤزرا على كفار قريش.
وصمم المشركون على أن يأخذوا بثأرهم من المسلمين، فجمعوا جموعهم، وخرجوا في جيش كبير، ومعهم بعض نسائهم حتى يكون ذلك أبلغ في استماتة الرجال في القتال.
ووصل مشركو قريش ومعهم حلفاؤهم إلى أطراف المدينة في أوائل شوال من السنة الثالثة، وكان عددهم يربو على ثلاثة آلاف رجل.
واستشار النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في شأن هؤلاء المشركين الزاحفين إلى المدينة.
فكان رأى بعضهم- ومعظمهم من الشباب- الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة.
وكان من رأى فريق آخر من الصحابة، استدراج المشركين إلى أزقة المدينة ومقاتلتهم بداخلها، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يميل إلى رأى هذا الفريق، إلا أنه آثر الأخذ برأى الفريق الأول الذي يرى أصحابه الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة، نظرا لكثرة عدد القائلين بذلك.
ثم دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم بيته، ثم خرج منه وقد لبس آلة حربه، وشعر بعض المسلمين أنهم قد استكرهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم على القتال، فأظهروا له الرغبة في النزول على رأيه، إلا أنه لم يستجب لهم، وقال كلمته التي تعلم الناس الحزم وعدم التردد: «ما ينبغي لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه، لقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم إلا الخروج، فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس. وانظروا ما أمركم الله به فافعلوه» .
ثم خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم في ألف مقاتل من المسلمين حتى نزل قريبا من جبل «أحد» إلا أن «عبد الله بن أبى بن سلول» انسحب في الطريق بثلث الناس محتجا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأخذ برأيه، بل أخذ برأى غيره.
وعسكر المسلمون بالشعب من أحد، جاعلين ظهرهم إلى الجبل، ورسم النبي صلّى الله عليه وسلّم الخطة