للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإذلال وشدة الغيظ بسبب ما أصابهم من هزيمة.

وخائبين من الخيبة وهي انقطاع الأمل في الحصول على الشيء. يقال: خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب.

والمعنى: ولقد نصركم الله- تعالى- ببدر وأنتم في قلة من العدد والعدة لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أى ليهلك طائفة من الذين كفروا ويستأصلهم بالقتل. وينقص من أرضهم بالفتح، ومن سلطانهم بالقهر، ومن أموالهم بالغنيمة أَوْ يَكْبِتَهُمْ أى يذلهم ويخزيهم ويغيظهم غيظا شديدا بسبب ما نزل بهم من هزيمة، حتى يخبو صوت الكفر، ويعلو صوت الإيمان:

وقوله فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ أى فينهزموا ويرتدوا على أدبارهم منقطعي الآمال، غير ظافرين بمبتغاهم.

قال الآلوسى: «ولم يعبر عن تلك الطائفة بالوسط بل بالطرف فقال لِيَقْطَعَ طَرَفاً لأن أطراف الشيء يتوصل بها إلى توهينه وإزالته. وقيل: لأن الطرف أقرب إلى المؤمنين فهو كقوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ. وقيل للإشارة إلى أنهم كانوا أشرافا، ومنه قولهم: هو من أطراف العرب أى من أشرافهم، ولعل إطلاق الأطراف على الأشراف لتقدمهم في السير.. فالمعنى ليهلك صناديد الذين كفروا ورؤساءهم المتقدمين فيهم بالقتل والأسر. وقد وقع ذلك في بدر فقد قتل المؤمنون من المشركين سبعين وأسروا سبعين» «١» .

وأَوْ في قوله أَوْ يَكْبِتَهُمْ للتنويع. لأن القطع والكبت قد وقعا للمشركين، فهي مانعة خلو، أى لا يخلو أمر الكافرين من الهلاك والكبت.

وعبر عن عودتهم خائبين بقوله فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ للإشارة إلى أن مقاصدهم وأهدافهم قد انقلبت، فقد كانوا يقصدون إطفاء نور الإسلام فخاب قصدهم، وطاش سهمهم، وعادوا وقد فقدوا الكثيرين من وجوههم وصناديدهم، وتركوا خلفهم في الأسر العشرات من رجالهم.

أما الإسلام فقد ازداد نوره تألقا، وازداد أتباعه إيمانا على إيمانهم. ورزقهم الله- تعالى- نصره المبين.

وقوله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أى: ليس لك من أمر الناس شيء، وإنما أمرهم إلى الله وحده، أما أنت فوظيفتك التبليغ والإرشاد ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.


(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>