وقال بعض الشعراء يعتذر عن انتصار أعدائهم عليهم.
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
ولقد كان عدم صبر الرماة في غزوة أحد، ومسارعتهم إلى جمع الغنائم، من أهم الأسباب التي أدت إلى هزيمة المسلمين في تلك المعركة.
والآية الكريمة كذلك تشير إلى أن الطريق إلى الجنة ليس سهلا يسلكه كل إنسان وإنما هو طريق محفوف بالمكاره والشدائد. ولا يصل إلى غايته إلا الذين جاهدوا وصبروا وصابروا، ولذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات» .
ثم ذكرهم- سبحانه- بما كان منهم من تمنى الشهادة في سبيله فقال وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ، فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ.
قال ابن جرير ما ملخصه: كان قوم من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ممن لم يشهد بدرا، يتمنون قبل يوم أحد يوما مثل يوم بدر، فيعطون الله من أنفسهم خيرا، وينالون من الأجر مثل ما نال أهل بدر، فلما كان يوم أحد، فر بعضهم وصبر بعضهم، حتى أوفى بما كان عاهد الله عليه قبل ذلك، فعاتب الله من فر منهم بقوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ... الآية.
وعن الحسن قال: بلغني أن رجالا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا يقولون: لئن لقينا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم المشركين لنفعلن ولنفعلن، فابتلوا بذلك- في أحد-، فلا والله ما كلهم صدق، فأنزل الله- تعالى- وَلَقَدْ كُنْتُمْ.... الآية «١» .
والخطاب في الآية الكريمة للمؤمنين الذين لم يفوزوا بالشهادة في غزوة أحد، وهو خطاب يجمع بين الموعظة والملام.
والمراد بالموت هنا الشهادة في سبيل الله، أو الحرب والقتال لأنهما يؤديان إلى الموت.
والمعنى: ولقد كنتم- يا معشر المؤمنين- تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ، أى الحرب أو الشهادة في سبيل الله مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ أى تشاهدوه وتعرفوا أهواله فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ أى فقد رأيتم ما تتمنونه من الموت بمشاهدة أسبابه وهي الحرب وما يترتب عليها من جراح وآلام وقتال وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ أى رأيتموه معاينين مشاهدين له حين قتل بين أيديكم من قتل من إخوانكم وأقاربكم وشارفتم أنتم أيها الأحياء أن تقتلوا.
وقوله مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ متعلق بقوله تَمَنَّوْنَ مبين لسبب إقدامهم على التمني. أى من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا مصاعبه.
(١) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ١٠٩. [.....]