المسلمين في غزوة أحد. كان في قدرتهم أن يوغلوا في مهاجمتهم وقتالهم إلا أن الرعب صدهم عن ذلك.
ولقد حاولوا وهم في طريقهم إلى مكة أن يعودوا للقضاء على المسلمين إلا أن الخوف داخل قلوبهم وجعل أحد زعمائهم وهو صفوان بن أمية يقول لهم: «يا أهل مكة لا ترجعوا لقتال القوم، فإنى أرى أنه سيكون للقوم قتال غير الذي كان» .
قال الفخر الرازي ما ملخصه قوله سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ اختلفوا في أن هذا الوعد هل هو مختص بيوم أحد، أو هو عام في جميع الأوقات؟
قال كثير من المفسرين: إنه مختص بهذا اليوم، وذلك لأن جميع الآيات المتقدمة إنما وردت في هذه الواقعة.
ثم القائلون بهذا القول ذكروا في كيفية إلقاء الرعب في قلوب المشركين في هذا اليوم وجهين:
الأول: أن الكفار لما استولوا على المسلمين وهزموهم أوقع الله الرعب في قلوبهم، فتركوهم وفروا منهم من غير سبب ...
والثاني: أن الكفار لما ذهبوا إلى مكة فلما كانوا في بعض الطريق قالوا ما صنعنا شيئا قتلنا الأكثرين منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون. ارجعوا حتى نستأصلهم بالكلية، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم.
والقول الثاني: أن هذا الوعد غير مختص بيوم أحد، بل هو عام، كأنه قيل: إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أحد، إلا أن الله- تعالى- سيلقى الرعب منكم بعد ذلك في قلوب الكافرين حتى يقهر الكفار، ويظهر دينكم على سائر الأديان.
وقد فعل الله ذلك حتى صار دين الإسلام قاهرا لجميع الأديان والملل. ونظير هذه الآية قوله صلّى الله عليه وسلّم «نصرت بالرعب مسيرة شهر» «١» .
ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان سوء عاقبة هؤلاء الكافرين فقال: وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ.
والمأوى: اسم مكان من أوى يأوى. وهو المكان الذي يرجع إليه الشخص ويعود إليه.
والمثوى: اسم مكان- أيضا- يقال: ثوى بالمكان وفيه يثوى ثواء وثويا وأثوى به، أى أطال الإقامة والنزول فيه.
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ٣٢.