وقوله ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ عطف على جواب «إذا» المقدر، وما بينهما اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه.
والتقدير: منع الله نصره عنكم بسبب فشلكم وتنازعكم ومعصيتكم لنبيكم ثم ردكم عنهم دون أن تنالوا ما تبتغون لِيَبْتَلِيَكُمْ أى ليعاملكم الله- تعالى- معاملة من يمتحن غيره، ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه وليتبين لكم الصابر المخلص من غيره.
وجاء العطف بثم في قوله ثُمَّ صَرَفَكُمْ للإشعار بالتفاوت الكبير بين المقصد الأصلى الذي خرجوا من أجله وهو النصر والحصول على الغنيمة وبين النتيجة التي انتهوا إليها وهي العودة مقهورين.
وكان التعبير بكلمة صَرَفَكُمْ دون كلمة «هزمتم» لأن ما حدث في أحد لم يكن هزيمة وإن لم يكن نصرا. لأن الهزيمة تقتضي أن يولى المسلمون الأدبار وأن يتحكم فيهم أعداؤهم وما حدث في أحد لم يكن كذلك، وإنما كان زيادة في عدد الشهداء من المسلمين عن عدد القتلى من المشركين لأن بعض المسلمين خالفوا وصية نبيهم صلّى الله عليه وسلّم وتطلعوا إلى زهرة الدنيا وزينتها بطريقة تتعارض مع ما يقتضيه الإيمان الصادق فكان من الله- تعالى- التأديب لهم.. وفي هذا التعبير ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ تسلية لهم عما أصابهم، وتخفيف لمصابهم فكأنه- سبحانه- يقول لهم: إن ما حدث في أحد إنما هو نوع من الصرف عن الغاية التي من أجلها خرجتم لحكم من أهمها: تمييز الخبيث من الطيب، وتربيتكم على تحمل المصائب والآلام، وتأديبكم بالأدب المناسب حتى لا تعودوا مرة أخرى إلى مخالفة رسولكم صلّى الله عليه وسلّم.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يمسح آلامهم ويذهب الحسرة من قلوبهم فقال- تعالى- وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
أى: ولقد عفا- سبحانه- عما صدر منكم تفضلا منه وكرما، والله تعالى هو صاحب الفضل المطلق الدائم على المؤمنين.
ولقد أكد- سبحانه- هذا العفو باللام وبقد وبالتعبير بالماضي، ليفتح أمامهم طريق الأمل، وليحفزهم على التوبة الصادقة والإيمان العميق، حتى لا ييأسوا من رحمة الله.
قال الآلوسى:«إيذان بأن ذلك العفو، ولو كان بعد التوبة، بطريق التفضل لا الوجوب أى: شأنه أن يتفضل عليهم بالعفو في جميع الأحوال أديل لهم أو أديل عليهم، إذ الابتلاء أيضا رحمة»«١» .