للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غزوة أحد، فهي تصور حالهم وهم مصعدون في الوادي بدون تمهل أو تثبت، وتصور حالهم وقد أخذ منهم الدهش مأخذه بحيث أصبح بعضهم لا يلتفت إلى غيره أو يسمع له نداء، أو يجيب له طلبا وتصور حال النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد ثبت كالطود الأشم بدون اضطراب أو وجل ومعه صفوة من أصحابه وقد أخذ ينادى الفارين بقوله: «إلى عباد الله، إلى عباد الله أنا رسول الله، من يكر فله الجنة» .

وقوله- تعالى- فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ.

بيان للنتيجة التي ترتبت على هذا الاضطراب وهو معطوف على قوله صَرَفَكُمْ أو على قوله تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ ولا يضر كونهما مضارعين في اللفظ لأن إذ المضافة إليهما صيرتهما ماضيين في المعنى.

وأصل الإثابة إعطاء الثواب، وهو شيء يكون جزاء على عطاء أو فعل ولفظ الثواب لا يستعمل في الأعم الأغلب إلا في الخير، والمراد به هنا العقوبة التي نزلت بهم. وسميت العقوبة التي نزلت بهم ثوابا على سبيل الاستعارة التهكمية كما في قوله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.

ويجوز أن يكون اللفظ مستعملا في حقيقته، لأن لفظ الثواب في أصل اللغة معناه ما يعود على الفاعلي من جزاء فعله، سواء أكان خيرا أو شرا.

قال القرطبي: قوله- تعالى- فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ الغم في اللغة التغطية. يقال: غممت الشيء أى غطيته. ويوم غم وليلة غمة إذا كانا مظلمين.

قال مجاهد وقتادة وغيرهما، والغم الأول القتل والجراح والغم الثاني الإرجاف بمقتل النبي صلّى الله عليه وسلّم وقيل الغم الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة والثاني: استعلاء المشركين عليهم. وعند ذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «اللهم لا يعان علينا» .

والباء في بِغَمٍّ على هذا بمعنى على. وقيل هي على بابها والمعنى أنهم غموا النبي صلّى الله عليه وسلّم بمخالفتهم إياه فأثابهم بذلك غمهم بمن أصيب منهم» «١» .

ويجوز أن يكون الكلام لمجرد التكثير أى جازاكم بغموم وأحزان كثيرة متصل بعضها ببعض بأن منع عنكم نصره وحرمكم الغنيمة وأصابتكم الجراح الكثيرة وأشيع بينكم أن نبيكم قد قتل ... وكل ذلك بسبب أنكم خالفتم وصية نبيكم صلّى الله عليه وسلّم وتغلب حب الدنيا وشهواتها على قلوب بعضكم فلم تخلصوا الله الجهاد فأصابكم ما أصابكم.


(١) تفسير القرطبي- بتصرف وتلخيص- ج ٤ ص ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>