للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعداوة آدم وذريته للشيطان من جهة أنه يكيد لهم بالوسوسة والإغراء وفي هذه الجملة الكريمة إرشاد لآدم وذريته، ونهى لهم عن اتباع خطوات الشيطان، لأنه عدو لهم، ومن شأن العدو أنه يسعى لمضرة عدوه.

قال- تعالى-: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ.

ثم ختمت الآية بقوله- تعالى-: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ.

المستقر: موضع الاستقرار والثبات، وهو مقابل القلق والاضطراب، والمتاع: اسم لما يستمتع به من مأكل ومشرب وملبس وحياة وأنس وغير ذلك، مأخوذ من متع النهار متوعا إذا ارتفع، ويطلق على الانتفاع الممتد الوقت.

والحين: الجزء من الزمان غير محدد بحد، والمراد به هنا وقت الموت أو يوم القيامة.

والمعنى: انزلوا إلى الأرض بعضكم لبعض عدو ولكم فيها منزل وموضع استقرار. وتمتع بالعيش إلى أن يأتيكم الموت.

ومن كان على ذكر دائم من أن استقراره في الأرض وتمتعه بنعيمها سينتهي في وقت، لا يدرى متى يدركه، فشأنه أن ينتفع بخيراتها ويتمتع بطيب العيش فيها، وهو مقبل على العمل لمرضاة الله ما استطاع، وشاكر لأنعمه بالقلب واللسان، لا يشغله عن الشكر شاغل من ملذات هذه الحياة ومظاهر زينتها.

ثم حكى القرآن أن آدم قد بادر بطلب العفو والمغفرة من ربه فقال: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

التلقي في الأصل: التعرض للقاء، ثم استعمل بمعنى أخذ الشيء وقبوله، تقول: تلقيت رسالة من فلان. أى أخذتها منه وقبلتها.

والكلمات: جمع كلمة، وهي اللفظة الموضوعة لمعنى، وأرجح ما قيل في تعيين هذه الكلمات، ما أشار إليه القرآن في سورة الأعراف بقوله:

قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.

والتوبة في أصل اللغة معناها: الرجوع، وإذا عديت بعن كان معناها الرجوع عن المعصية إلى الطاعة، وإذا عديت بعلى- كما في هذه الآية- كان معناها قبول التوبة، فالعبد يتوب عن المعصية، والله يتوب على العبد أى: يقبل توبته.

وجملة إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ واردة مورد التعليل لقوله: فَتابَ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>