للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ في محل نصب بدل من قوله الَّذِينَ نافَقُوا.

أو في محل رفع بدل من الضمير في قوله يَكْتُمُونَ فكأنه قيل: والله أعلم بما يكتم هؤلاء الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا ...

وقوله وَقَعَدُوا حال من الضمير في قالُوا بتقدير حرف قد أى قالوا ما قالوا والحال أنهم قد قعدوا عن القتال.

وجواب الشرط في قوله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ محذوف لدلالة ما قبله عليه وهو قوله فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ.

والتقدير: إن كنتم صادقين في زعمكم أن الذين قتلوا في أحد لو أطاعوكم وقعدوا كما قعدتم لما أصابهم القتل، إن كنتم صادقين في هذا الزعم فادرأوا عن أنفسكم الموت عند حلوله.

قال الآلوسى. والمراد أن ما ادعيتموه سببا للنجاة ليس بمستقيم، ولو فرض استقامته فليس بمفيد، أما الأول: فلأن أسباب النجاة كثيرة. غايته أن القعود والنجاة وجدا معا وهو لا يدل على السببية.

وأما الثاني: فلأن المهروب عنه بالذات هو الموت الذي القتل أحد أسبابه فإن صح ما ذكرتم فادفعوا سائر أسبابه، فإن أسباب الموت في إمكان المدافعة بالحيل وامتناعها سواء، وأنفسكم أعز عليكم، وأمرها أهم لديكم» «١» .

وقال ابن القيم: وكان من الحكم التي اشتملت عليها غزوة أحد، أن تكلم المنافقون بما في نفوسهم، فسمعه المؤمنون، وسمعوا رد الله عليهم، وجوابه لهم، وعرفوا مراد النفاق، وما يؤول إليه، كيف يحرم صاحبه سعادة الدنيا والآخرة ...

فالله الله كم من حكمة في ضمن هذه القصة بالغة، ونعمة على المؤمنين سابغة، وكم فيها من تحذير وتخويف وإرشاد وتنبيه، وتعريف بأسباب الخير والشر ومآلهما وعاقبتهما «٢» .

وبعد هذا الحديث الكاشف عن طبيعة المنافقين وعن أحوالهم، انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن الشهداء وفضلهم وما أعده الله لهم من نعيم مقيم فقال- تعالى-:


(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ١٢٠.
(٢) زاد المعاد لابن القيم. نقلا عن تفسير القاسمى ص ١٠٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>