للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن مقام الناظر المحقق، فكأنَّ المتقدِّمين ضاموه، ورؤية الله عزَّ وجلَّ يستوي فيها الكلُّ بلا ضيم ولا ضرر ولا مشقَّة.

وفي رواية: ((لَا تُضَامُوْنَ أَوْ لَا تُضَاهون)) يعني على الشكِّ، أي لا يشتبه عليكم وترتابون فيعارض بعضكم بعضًا في رؤيته، وقيل: لا تسهونه في رؤيته بغيره من المرئيات، وروي: ((تُضَارُّوْنَ)) -بالرَّاء المشدَّدة والتَّاء مفتوحة ومضمومة- قال الزَّجَّاج: معناهما لا تتضارون، أي لا يضار بعضكم بعضًا بالمخالفة. وعن ابن الأَنْباري: هو تتفاعلون من الضرار، أي لا تتنازعون وتختلفون، ورُوي: ((تُضَارُوْنَ)) -بضمِّ التَّاء وتخفيف الراء- أي لا يقع للمرء في رؤيته ضير ما بالمخالفة والمنازعة أو الخفاء، وروي: ((تُمَارُوْنَ)) براء مخفَّفة، يعني تجادلون، أي لا يدخلكم شكٌّ.

قوله: (فَإِنِ استَطَعْتُمْ إلَّا تُغْلَبُوا) بلفظ المجهول، وكلمة أن مصدريَّة، والتقدير: من إلَّا تغلبوا، أي من الغلبة بالنَّوم والاشتغال بشيء من الأشياء المانعة عن الصلاة.

قوله: (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمس وَقَبْلَ غُرُوْبِهَا) زاد مسلم: ((يعني العصر والفجر) ولابن مردويه من وجه آخر عن إسماعيل: ((قبل طلوع الشَّمس صلاة الصبح، وقبل غروبها صلاة العصر)). قال شيخنا: فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنَّوم والشغل ومقاومة ذلك بالاستعداد له.

وقال ابن بطَّال: قال المُهَلَّب: قوله: (فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ ألَّا تُغْلَبُوا عَنْ صَلَاةِ) أي في الجماعة، قال وخصَّ هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما ورفعهم أعمال العباد؛ لئلَّا يفوتهم هذا الفضل العظيم.

قال شيخنا: وعرف بهذا مناسبة إيراد حديث: (يَتَعَاقَبُونَ) عقب هذا الحديث، لكن لم يظهر لي وجه تقييد ذلك بكونه في جماعة من سياق الحديث وإن كان فضل الجماعة معلومًا من أحاديث أخر، بل ظاهر الحديث يتناول من صلاهما ولو منفردًا؛ إذ مقتضاه التحريض على فعلهما أعمُّ من كونه في جماعة أو لا.

قوله: (افْعَلُوا لَا تَفُوْتَنَّكُمْ) أي افعلوا هذه الصَّلاة لا تفوتنَّكم، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى الصلاة، وهو بنون التوكيد، وهو مدرج من كلام إسماعيل، وكذا (ثمَّ قرأ) مدرج.

قال الكِرْماني: فإن قلت: ما المراد بلفظ (افْعَلُوا) إذ لا يصحُّ أن يراد: افعلوا الاستطاعة أو افعلوا عدم المغلوبيَّة؟ قلت: عدم المغلوبيَّة كناية عن الإتيان بالصَّلاة؛ لأنَّه لازم الإتيان، فكأنَّه قال: فأتوا بالصلاة فاعلين لها. انتهى. قال العَيني: لو قُدِّر مفعول (افْعَلُوا) مثل ما قدَّرنا لكان استغنى عن هذا السؤال والجواب. قال الخطَّابيُّ: هذا يدلُّ على أنَّ الرؤية يُرتجى نَيلُها بالمحافظة على هاتين الصلاتين. انتهى. قال شيخنا: وقد يستشهد لذلك بما أخرجه التِّرْمِذي من حديث ابن عُمَر رفعه قال: ((إنَّ أدنى أهلِ الجنَّةِ منزلةً)) فذكر الحديث، وفيه: ((وأكرمُهم على اللهِ مَنْ ينظرُ إلى وجهِه غدوةً وعشيةً)) وفي سنده ضعف. انتهى.

قوله: (ثُمَّ قَرَأَ) قال شيخنا: كذا في جميع روايات الجامع، وأكثر الروايات في غيره بإبهام فاعل (قَرَأَ) وظاهره أنَّه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وحمله عليه جماعة من الشرَّاح، لكن لم أر ذلك صريحًا، ووَقَعَ عند مسلم عن زُهَير بن حرب

<<  <   >  >>