للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- عليه السلام - ربما رجا لهم التوبةَ، لقول الله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: ٢٤]. انتهى.

قال شيخنا: والذي يظهر لي أن الحديث وَرَد في المنافقين، لقوله في صدر الحديث الآتي بعد أربعة أبواب: ((ليس صلاةٌ أثقلُ على المنافقين من العشاء والفجر)) الحديث. ولقوله: ((لو يعلم أحدهم...)) إلى آخره، لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكنَّ المرادَ به نفاق المعصية لا نفاق الكفر بدليل قوله في رواية عجلان: ((لا يشهدون العشاء في الجميع) وقولِه في حديث أسامة: ((لا يشهدون الجماعة) وأصرحُ من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود: ((ثم آتي قومًا يُصَلُّون في بيوتهم ليست بهم علة)).

فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصيةٍ لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياءً وسُمعةً فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء. نبه عليه القرطبي. وأيضًا فقوله في رواية المقبري: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرِّية)) يدل على أنهم لم يكونوا كفارًا، لأن تحريق بيت الكافر إذا تعيَّنَ طريقًا إلى الغَلَبَةِ عليه لم يمنع ذلك وجودُ النساء والذرية في بيته.

وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاقِ في الحديث نفاقُ الكفر فلا يدل على عدم الوجوب، لأنه يتضمن أنَّ ترك الجماعة من صفات المنافقين وقد نُهينا عن التشبه بهم، وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغةِ في ذمِّ من تخلف عنها. قال الطيبي: خروج المؤمن مِن (١) هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلُّفُ عن الجماعة، بل من جهة أن التخلفَ ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين، ويدل عليه قول ابن مسعود: لقد رأيتُنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق. رواه مسلم. انتهى كلامه.

وروَى ابنُ أبي شيبة وسعيدُ بن منصور بإسنادٍ صحيح عن أبي عمير بن أنس (٢) قال: حدثني عمومتي من الأنصار قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يشهدهما منافق)) -يعني العشاء والفجر -.

قال شيخنا: ولا يقال: فهذا يدل على ما ذهب إليه صاحبُ هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد يتخلف، وإنما ورد الوعيدُ في حق من تخلف لأني أقول: بل هذا يُقَوِّي ما ظهر لي أولًا أنَّ المراد بالنفاق نفاقُ المعصية لا نفاق الكفر، فعلى هذا الذي خَرَجَ هو المؤمنُ الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازًا لِمَا دل عليه مجموع الأحاديث.

الثامن (٣) : ما ادعاه بعضهم أن فرضية الجماعة كانت في أول الأمر لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين، ثم نُسِخ. حكاه عياض، ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريقُ بالنار كما سيأتي واضحًا في كتاب الجهاد، وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال، ويدل على النسخ الأحاديُث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي بيانه في الباب الذي بعد هذا، لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفعل (٤)، ومِن لازِمِ ذلك الجواز.

التاسع (٥) : أن المراد بالصلاة الجمعةُ لا باقي الصلوات.


(١) ((مِن)) ليست في (الأصل) والصواب إثباتها.
(٢) في (الأصل) : ((عمير بن أنيس)) والصواب ((أبي عمير بن أنس)).
(٣) في (الأصل) : ((السابع)) والصواب ((الثامن)).
(٤) كذا في (الأصل) : ((الفعل)) ولعل الصواب ((الفضل)).
(٥) في (الأصل) : ((الثامن)) والصواب ((التاسع)).

<<  <   >  >>