للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإفراط والتفريط سواء كان في العقائد أو في الأعمال أو في الأخلاق، وقيل: الجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث.

وهي الحكمة والشجاعة والعفة التي هي أوساط القوى الثلاث أعني القوة العقلية والغضبية والشهوانية، وقيل: المطيع لأحكام الله، وقيل: المراعي لحقوق الرعية.

قال شيخنا: وأحسن ما فسر به العادل أنَّه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط والمراد به صاحب الولاية العظمى؛ وهو الخليفة أو السلطان، ويلتحق به كل من ولي شيئاً من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه: ((أنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)) قال العلماء: وبدأ به في الحديث لكثرة مصالحه وعموم نفعه، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: العادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجراً من جميع الأنام بإجماع أهل الإسلام.

قوله: (وشَابٌّ نَشَأ في عِبَادَة ربِّه) أي: والثاني من السبعة شاب آخره، يقال: نشأ الصبي ينشأ نشأ فهو ناشئ إذا كبر وشب. يقال: نشأ وأنشأ إذا خرج وابتدا، وأنشأ يفعل كذا أي: ابتدا يفعل، وفي رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان: ((شاب نشأ بعبادة ربه))، وهي رواية مسلم أيضاً، وزاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر: ((حتى توفي على ذلك))، أخرجه الجَوْزَقِي.

وفي حديث سلمان: ((أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله)). فإنْ قلت: لم خص الثاني من السبعة بالشباب، ولم يقل: ورجل نشأ في عبادة ربه؟ كما قال: ورجل قلبه متعلق، يقال: لأن العبادة في الشباب أشد وأشق لكثرة الدواعي وغلبة الشهوات، وقوة البواعث على متابعة الهوى تلازمه العبادة مع ذلك تدل على غلبة التقوى.

قوله: (ورجُلٌ قَلْبُهٌ مُتَعلِّقٌ في المسَاجد) أي: الثالث رجل قلبه معلق أي بفتح اللام هكذا في الصحيحين وظاهره أنَّه من التعليق كأن شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلاً إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجاً عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي: ((كأنما قلبه معلق في المسجد)) ويحتمل أنْ يكون من العلاقة وهي شدة الحب، ويدل عليه رواية الحموي والمستملي ((متعلق)) بزيادة

التاء المثناة بعد الميم وكسر اللام، زاد سلمان ((من جهة)) وزاد مالك ((إذا خرج منه حتى يعود إليه)) وهذه الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة كما تقدم.

قلت: وقد تقدم الكلام على لفظة (رَجُلٌ) في بدء الوحي عند قوله: ((يتمثل إلي الملك رجلاً)) انتهى.

قوله: (ورجُلَانِ تَحَابَّا) أي: الرابع: رجلان تحابا، بتشديد الباء الموحدة، وأصله تحابَبَا، فلما اجتمع الحرفان المتماثلان أسكن الأول منهما وأدرج في الثاني وهو حد

<<  <   >  >>