للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

على أنه مصدر منصوب، على أنه حال بمعنى مخفياً.

قوله: (بِصَدَقَةٍ) نكَّرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير، وظاهره أيضاً يشمل المندوبة والمفروضة، لكن نقل النووي عن العلماء أنَّ إظهار المفروضة أولى من إخفائها، وسيأتي في فقه الحديث طرق من ذلك.

قوله: (حَتَّى لا تَعْلَم) بضم الميم وفتحها، نحو: مرض حتى لا يرجونه، وسرت حتى تغيب الشمس.

قوله: (شمَالُه) مرفوع لأنه فاعل لقوله: (لا تعْلَم).

قوله: (مَا تُنْفِقُ يَميْنُه) جملة في محل النصب على أنها مفعول. ثم اعلم أنَّ معظم الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، ووقع في صحيح مسلم مقلوباً ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح، وإن ْكان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد.

ونبه عليه شيخ الإسلام البُلْقِيْنِي في «محاسن الاصطلاح» : ومثَّل له بحديث ابن أم مكتوم يؤذن بليل وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان، وقال شيخ الإسلام البُلْقِيْنِي: ينبغي أنْ يسمى هذا النوع المعكوس. انتهى.

قال شيخنا: والأولى تسميته مقلوباً فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن، كما قالوه في المدرج سواء، وقد سمَّاه بعض من تقدم مقلوباً. قال عياض: هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب والصواب الأول أي قوله: (مَا تنْفِقُ يمِيْنُه) وهو وجه الكلام لأنَّ السنة المعهودة في الصدقة بإعطائها باليمين، وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين.

قلت: ويحتمل أنَّه جعل التصدق بالشمال في هذه الصورة لأنه من أسباب الإخفاء لكون المعهود أنْ تكون الصدقة باليمين، فإذا بالغ في إخفائها تصدق بشماله حتى لا يتفطن لذلك. انتهى.

قال عياض: ويشبهه أنْ يكون الوهم فيه ممن دون (١) مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبيد الله بن عمر، فقال: بمثل حديث عبيد الله، فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في قوله: ((ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه)). انتهى.

قال شيخنا: وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه، بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان فإنَّ مسلماً أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن يحيى، وأشعر سياقه بأن اللفظ لزهير وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير وأخرجه الجَوْزَقِي في «مستخرجه» عن أبي حامد بن الشرقي فقول يحيى القطان عندنا واهم في هذا، إنما هو: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).

قال شيخنا: والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نسبة نظر؛ لأنَّ الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب، ولذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار، وفي الزكاة عن مسدد.

وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدَّوْرَقِي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى، وكأنَّ أبا حامد لما رأى عبد الرحمن تابع زهيراً ترجح عنده أنَّ


(١) قوله: ((ممن دون)) ليس في الأصل وما أثبته من الفتح.

<<  <   >  >>