للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وضحاها، والليلِ إذا يغشى))، قال عمرو: بنحو هذا.

وفي «صحيح ابن خزيمة» : عن بُندار عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: فقال معاذ: إنَّ هذا - يعني الفتى - يتناوَلُني، ولأُخْبِرَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلما أخبره قال الفتى: يا رسول الله يُطيلُ المكث عندك ثم يرجع فيطوِّل علينا، فقال: ((أَفَتَّانٌ أنتَ يا معاذ؟ كيف تصنعُ يا ابن أخي إذا صليتَ؟)) قال: أقرَأُ الفاتحةَ وأسألُ الله الجنةَ وأعوذ به من النار، إني لا أدري ما دَنْدَنَتُكَ وَدَنْدَنَةُ معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني ومعاذاً حولها ندندن)) الحديث.

وفي «مسند أحمد» من حديث معاذ بن رِفاعة عن رجل من بني سلِمة يقال له سُلَيْم أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال له: يا نبيَّ الله إنَّا نظلُّ في أعمالِنا فنأتي حين نُمسِي فنصلي، فيأتي معاذُ بن جبل فينادي بالصلاة فنأتيه فيطوِّل علينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معاذ لا تكن فاتناً)). ورواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ بن رِفاعة: أن رجلاً من بني سلِمة... ، فذكره مرسلاً. ورواه البزَّارُ من وجهٍ آخر عن جابر وسماه سُلَيْمًا أيضًا، ووقع عند ابن حزم من هذا الوجه: أن اسمه: سَلْم (١) بفتح السين وسكون اللام، وكأنه تصحيف. والله أعلم. انتهى.

قوله: (يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو: عِشَاءَ الآخِرَة، فكأنَّ العشاء هي التي كان يواظِبُ فيها على الصلاة مرتين.

قوله: (ثُمَّ يَرْجِعُ، فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ)، في رواية منصور: فيصلي بهم تلك الصلاة. وللمصنِّف في الأدب (فَيُصَلِّي بِهِم الصَّلَاةَ) أي المذكورة. قال شيخنا: وفي هذا رَدٌّ على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ الصلاة التي كان يصليها بقومه، وفي رواية ابن عيينة: فصلى ليلةً مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمَّهم. وفي رواية الحُميدي عن ابن عيينة، ثم يرجع إلى بني سلِمة فيصليها بهم. ولا مخالفة فيه لأن قومه هم بنو سلِمة، وفي رواية الشافعي رحمة الله عليه: ثُمَّ يرجع فيصليها بقومه في بني سلِمة. ولأحمد عنه: ثم يرجع فيؤمُّنا.

قال العيني: قوله: وفي هذا رد على من زعم... إلى آخره، الجوابُ عنه من وجوه:

الأول: أن الاحتجاج به من بابِ ترك الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم، وشرطُ ذلك علمُه بالواقعة، وجاز أنْ لا يكون عَلِمَ بها.

الثاني: أنَّ النية أمر مُبطَن لا يُطَّلَع عليه إلا بإخبار الناوي، ومن الجائز أن يكون معاذٌ كان يجعل صلاته معه - عليه السلام - بِنِيَّةِ النفلِ ليتعلَّمَ سُنَّةَ القراءة منه وأفعالَ الصلاة، ثم يأتي قومه فيصلي بهم صلاتَهُ الفرضَ. فإن قلتَ: يُستبعد من معاذ أن يترك فضيلةَ الفرضِ خلف النبي صلى الله عليه وسلم ويأتيَ به مع قومه، وكيف يُظَنُّ بمعاذ بعد سماعه قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)). ولعل صلاةً واحدةً مع النبي صلى الله عليه وسلم خيرٌ له من كلِّ صلاةٍ صلَّاها في عُمُره، ولا سيما في مسجده التي هي خير من ألف صلاة فيما سواه. قال العيني: ليس تفوتُ الفضيلةُ معه - عليه السلام - في سائر أئمة مساجد المدينة، وفضيلةُ النافلة خلفه مع أداء الفرضِ مع قومه يقوم مقامَ أداء الفريضة خلفه، وامتثالُ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في إمامة قومه زيادةُ طاعة.

الثالث: قال المهلب: يحتمل أن يكون حديث معاذ كان أول الإسلام وقتَ عدم القراءة، ووقتَ لا عوضَ للقوم من معاذ، فكانت


(١) في (الأصل) : ((سليم)) والصواب ((سَلم)).

<<  <   >  >>