للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حالةَ ضرورة فلا تُجعَل أصلاً يقاس عليه. قال العيني: هذا كان قبل أُحُدٍ، فلا حاجة إلى ذِكر الاحتمال. قال شيخنا: قول المهلب: فكانت حالة ضرورةٍ ضعيفٌ، قال ابن دقيق العيد: لأن القَدْرَ المجزئ من القراءة في الصلاة كان حافِظُوه كثيراً، وما زاد لا يكون سبباً لارتكاب أمرٍ ممنوع منه شرعاً في الصلاة. انتهى.

الرابع: أنه يُحتمل أن يكون كان معاذٌ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة النهار، ومع قومه صلاة الليل، لأنهم كانوا أهلَ خدمة لا يحضرون صلاةَ النهار في منازلهم، فأخبر الراوي حالَ معاذ في وقتين لا في وقتٍ واحد.

الخامس: أنه حديث منسوخ على ما نذكره، إن شاء الله تعالى.

قوله: (فَصَلَّى العِشَاءَ) كذا في معظم الروايات، ووقع في روايةٍ لأبي عَوانة والطحاوي من طريق محارب: صلى بأصحابه المغرب. وكذا لعبد الرزاق من رواية أبي (١) الزبير. قال شيخنا: فإنْ حُمِلَ على تَعَدُّد القضية كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازاً وإلا فما في الصحيح أصح. قال العيني: رجال الطحاوي في روايته رجالُ الصحيح، فمن أين يأتي الأصحِّيَّةُ في رواية العشاء؟

قوله: (فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ (٢)) واستُدِل به على من يَكره أن يقول: البقرةُ بل يقول: سورةُ البقرةِ، لكنْ في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه: فقرأ بسورة البقرة. ولمسلم عن ابن عيينة نحوُه. وللمصنف في الأدب (فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ) قال شيخنا: فالظاهر أن ذلك من تصرف الرواة. انتهى. قال العيني: ليس ذلك من تصرف الرواة، بل من تعدُّدِ القضية. انتهى. قلتُ: لا يلزم من تعدُّد القضيةِ أنْ لا تتصرف الرواةُ بل تصرُّف الرواة لازمٌ في مثل هذا. انتهى. قال شيخنا: والمراد أنه ابتدأ في قِراءتها، وبه صرح مسلم ولفظه: افتتحَ سورة البقرة.

قوله: (فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ) إما أن يُراد به الجنس، والمعرَّفُ تعريفَ جنسٍ كالنكرة في مؤدَّاه، فكأنه قال: رَجُلٌ، أو يراد المعهودُ من رجلٍ معيَّنٍ، ووقع في رواية الإسماعيلي: فقام رجلٌ وانصرف، وفي رواية سليم بن حيان: فتَجَوَّزَ رجل فصلى صلاةً خفيفةً، وفي رواية مسلم عن ابنِ عيينة: فانحَرَفَ رجلٌ فسلَّم ثم صلى وحده.

قال شيخنا: لم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسميةُ هذا الرجل لكن روى أبو داود الطيالسي في «مسنده»، والبزار من طريقِه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: مَرَّ حَزْمُ بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العَتَمة، فافتتح بسورةٍ طويلةٍ ومع حزمٍ ناضحٌ له... الحديث. قال البزار: لا نعلم أحداً سماه عن جابر إلا ابنُ جابر. انتهى قولُ البزار. وقد رواه أبو داود في «السنن» من وجهٍ آخر عن طالب فجعله عن ابن جابرٍ عن حزمٍ صاحبِ القصةِ، وابنُ جابرٍ لم يُدرِك حزمًا، ووقع عنده: صلاة المغرب. وهو نحوُ ما تقدم من الاختلاف في رواية محارِب. ورواه ابن لَهيعة عن أبي (٣) الزبير عن جابر فسماه: حازماً. وكأنَّه صحَّفَهُ.

ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسنادٍ صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: كان معاذٌ يؤُمُّ قومَه فدخل حَرَامٌ وهو يريد أن يسقي نخلَه... الحديث. كذا فيه بِراءٍ بعدَها ألِفٌ، وظن بعضُهم أنه حَرَام بن مِلْحان خالُ أنس، وبذلك جزم الخطيب في «المبهمات» (٤)، لكنْ لم أَرَهُ منسوباً في الرواية، ويُحتمل أن يكون تصحَّفَ من: حَزْمٍ، فتَجْمَعُ هذه الروايات، وإلى ذلك يومئ صنيعُ ابن عبد البر، فإنَّه ذكر من الصحابة حَرَام بن أبي كعب وذَكَر له هذه القصة وعَزَا تسميتَه


(١) في (الأصل) : ((ابن)) والصواب ((أبي)).
(٢) في (الأصل) : ((البقرة)) والصواب ((بالبقرة)).
(٣) في (الأصل) : ((ابن)) والصواب ((أبي)).
(٤) في (الأصل) : ((المهمات)) والصواب ((المبهمات)).

<<  <   >  >>