للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لها باحتمالِ أن تكون مدرجةً فجوابُه: أن الأصل عدمُ الإدراج حتى يثبت (١) التفصيلُ، فمهما كان مضموماً إلى الحديث فهو منه، ولا سيما إذا رُوِي من وجهين، والأمرُ هنا كذلك، لكنَّ الشافعي أخرجَها من وجهٍ آخرَ عن جابر متابِعاً لعمرو بن دينار عنه.

وقول الطحاوي: هو ظنٌّ من جابر. مردودٌ، لأن جابراً كان ممن يصلي مع معاذ، فهو محمولٌ على أنه سمع ذلك منه، ولا يُظَنُّ بجابرٍ أنه يخبِر عن شخص بأمٍر غير مشاهدٍ إلا بأنْ يكون ذلك الشخصُ أَطْلَعَه عليه. وأما احتجاجُ أصحابنا لذلك بقوله عليه السلام: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) فليس بجيد، لأن حاصلَه النهيُ عن التلبُّس بصلاةٍ غيرِ التي أقيمت من غيرِ تعرُّضٍ لنيةِ فرضٍ أو نفلٍ، ولو تعينت نيةُ الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذٍ فرضاً له.

قوله: (فَكَانَ مُعَاذٌ يَنَالُ مِنْهُ) أي من الرجل المذكور، ومعنى: ينال منه أي يصيب منه، أي يعيبه ويتعرض به بالإيذاء. وقوله: (كَانَ) فعل ماض، و (مُعَاذٌ) بالرفع اسمُه. وقوله: (يَنَالُ مِنْهُ) جملةٌ خبرٌ لِكانَ، وفي رواية المستملي: (يَتَنَاوَلُ مِنْهُ) من باب التفاعل، وفي رواية الكُشْمِيهَني: (فَكَأَنَّ مُعَاذًا) بالهمز والنون المشددة. وقوله: (مُعَاذًا) بالنصب اسمُ كَأَنَّ، وقد فُسِّر ذلك في رواية سليم بن حيان. ولفظه: فبلغ ذلك معاذًا فقال: إنه منافق. وكذا في رواية أبي الزبير وابن عيينة: فقالوا له: أَنافقتَ يا فلان؟ قال: لا والله، لآتين رسولَ الله فَلَأُخبِرَنَّه. فكأَنَّ معاذًا قال ذلك في غَيْبَةِ الرجلِ، وَبَلَّغَهُ إلى الرجل أصحابُه.

قوله: (فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي فَبَلَغَ ذلك الأمرُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّن ابنُ عيينة ومحاربُ بن دِثار في روايتيهما أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ، وفي رواية النَّسائي: فقال معاذ: لئن أصبحتُ لأذكُرَنَّ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأرسَلَ إليه فقال: ((ما حملك على الذي صنعت؟)) فقال: يا رسول الله، عملتُ على ناضحٍ لي بالنهار، فجئتُ وقد أقيمت الصلاة فدخلتُ المسجد، فدخلتُ معه في الصلاة فقرأ بسورة كذا وكذا، فانصرفتُ (٢) فصليتُ في ناحية المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفتَّانًا يا معاذ؟ أفتَّانًا يا معاذ؟)).

وقوله: ٠ ويروى: (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) و: (فَتَّانٌ) مرفوعٌ على أنه خبرُ مبتدأ محذوف، أي: أنت فتانٌ، والتكرار للتأكيد، وفي رواية ابن عيينة: أفتان أنت؟ بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار، ومعناه: أنت مُنَفِّرٌ، لأن التطويل سببُ خروجهم من الصلاة، والتَّكَرُّهِ للصلاة في الجماعة، وقال الداودي: يُحتَمل أن يريد قوله: (فَتَّانٌ) أي معذِّبٌ، لأنه عَذَّبَهُم بالتطويل كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ} [البروج: ١٠]. أي عذبوهم.

قوله: (أَوْ قَالَ: فَاتِنًا، فَاتِنًا) هذا شكٌّ من الراوي، ونصبُه على أنه خبرُ يكون مقدَّرًا أي يكون فاتنًا (٣). وفي رواية أبي (٤) الزبير: أتريد أن تكون فاتناً؟ وفي رواية أحمد في حديث معاذ بن رِفاعة المتقدم ذكرُه: ((يا معاذ لا تكن فاتنًا)). وزاد في حديث أنس: ((لا تُطوِّل بهم)). وروى البيهقي في «الشُّعَب» بإسناد صحيح عن عمر قال: لا تبغِّضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه.

قوله: (وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ المُفَصَّلِ) أوسط المفصل مِن كُوِّرَتْ إلى الضحى، وطِوال المفصل من سورة الحجرات إلى والسماء ذات البروج، وقصار المفصل من


(١) في (الأصل) : ((ثبت)) والصواب ((يثبت)).
(٢) في (الأصل) : ((فانصرف)) والصواب ((فانصرفتُ)).
(٣) في (الأصل) : ((فتانا)) والصواب ((فاتنا)).
(٤) في (الأصل) : ((ابن)) والصواب ((أبي)).

<<  <   >  >>