الكاف لماذا وهو حافظ لنفس قول رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم لا كمثله؟ قال العَيني: يجوز أن تكون الكاف ههنا للتعليل؛ لأنَّها اقترنت بكلمة ما المصدريَّة، أي أحفظ لأجل حفظ كلامه، ويجوز أن تكون للاستعلاء، بمعنى: أحفظ على ما عليه قوله. وقال الكِرْماني: لعله نقله بالمعنى، فاللفظ مثل لفظه في أداء ذلك المعنى. قال العَيني: حاصل كلامه يؤول إلى معنى المثليَّة، وهو في سؤاله نفى المثلية، فانتفى بذلك أن تكون الكاف للتشبيه. وقال شيخنا: الكاف زائدة للتأكيد، أو هي بمعنى على، وتحتمل أن يُراد بها المثليَّة، أي أقوله مثل ما قاله.
قال العَيني: قوله: الكاف زائدة، أخذه من الكِرْماني، ولم يبين واحد منهما أنَّ الكاف إذا كانت زائدة ما تكون فائدته. انتهى. قلت: قد بين شيخنا الفائدة بقوله: للتأكيد، فلعل العَيني رأى النُّسخة الَّتي لم يبين شيخنا فيها الفائدة، وإنَّما ترك الكِرْماني ذلك وشيخنا أولًا لوضوحه. انتهى.
فإن قلت: لفظ أنا مفرد، وهو مقول قوله: قلت، وقد علم أنَّ مفعول القول يكون جملة. قال العَيني: أنا مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: أنا أحفظ أو أضبط أو نحوهما.
قوله: (عَلَيْهِ) أي قول رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم.
قوله: (أَوْ عَلَيْهَا) أي أو على مقالته، والشك من حذيفة، قاله الكِرْماني. قال العَيني: يجوز أن يكون ممن دونه. وقال شيخنا: (عَلَيْهِ) أي على النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم أو (عَلَيْهَا) أي المقالة، والشك من أحد رواته.
قوله: (وَالأَمْرُ) أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرَّح به البخاري في الزكاة.
قوله: (لَجَرِيْءٌ) خبر إنَّ من قوله: (إِنَّكَ) واللَّام فيه للتأكيد، والجريء على وزن فعيل من الجُرأة، وهي الإقدام على الشَّيء.
قوله: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ) قال ابن بطَّال: أن يأتيَ من أجلِّهم ما لا يحلُّ له من القول والعمل مما لم يبلغ كبيرة. وقال المُهَلَّب: يريد ما يعرض له معهنَّ من شرٍّ أو حزن وشبهه.
قوله: (وَمَالِهِ) فتنة الرجل في ماله: أن يأخذه من غير مأخذه، ويصرفه في غير مصرفه، أو يفرط بما يلزمه من حقوق المال فتكثر عليه المحاسبة.
قوله: (وَوَلَدِهِ) فتنة الرجل في ولده: فرط محبَّتهم وشغله بهم عن كثير من الخير، أو التوغُّل في الاكتساب لأجلِّهم من غير اكتراث من أن يكون من حلال أو حرام.
قوله: (وَجَارِهِ) فتنة الرجل في جاره: أن يتمنَّى أن يكون حاله مثل حاله إن كان مُتَّسِعًا، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: ٢٠].
قوله: (تُكُفِّرُهَا الصَّلَاةُ) أي يكفِّر فتنة الرجل في أهلِّه وماله وولده وجاره أداءُ الصَّلاة، قال تعالى: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] يعني الصَّلاة الخمس إذا اجتنبت الكبائر، هذا قول أكثر المفسِّرين، وقال مجاهد: هي قول العبد: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلَّا الله، والله أكبر.
وقال ابن عبد البرِّ: قال بعض المنتسبين إلى العلم من أهلِّ عصرنا: إنَّ الكبائر والصغائر تكفِّرها الصَّلوات والطَّهارة، استدلَّ بظاهر هذا الحديث، وبحديث الصُّنَابِحي: ((إذا توضَّأَ خرجَتِ الخطايا مِنْ فيهِ)) الحديث وغيره. قال العَيني: قال أبو عُمَر:
هذا جهل وموافقة للمرجئة، وكيف يجوز أن تحمل هذه الآثار على عمومها وهو يسمع قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا