تَعَالَى ببيانه للنَّاس والصدع بِهِ. وَقد كَانَ هَذَا الْخلاف علما لَهُ أُصُوله وقواعده، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة يدرسون أَسبَابه ويلتمسون الْأَعْذَار لمن خالفهم فِي حكم مَسْأَلَة؛ لعلمهم أَن كل مُجْتَهد اتَّقى الله مَا اسْتَطَاعَ، فَهُوَ مُطِيع لله سُبْحَانَهُ، لَيْسَ بآثم، وَلَا مَذْمُوم، الْمُصِيب مِنْهُم وَاحِد وَله أَجْرَانِ، والمخطئ لَهُ أجر، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِذا اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر "، مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَة - رضوَان الله عَلَيْهِم - يعلمُونَ أَن الْمُصِيب وَاحِد. قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية: " قَالَ ابْن مَسْعُود لما سُئِلَ عَن مَسْأَلَة: أَقُول فِيهَا برأيي، فَإِن كَانَ صَوَابا فَمن الله، وَإِن يكن خطأ فمني وَمن الشَّيْطَان، وَالله وَرَسُوله بريئان مِنْهُ ".
قَالَ ابْن تَيْمِية: " وَلَا يُمكن لوَاحِد أَن يُحِيط بِجَمِيعِ سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَا وَلَا يَدعِي ذَلِك. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن أَبَا بكر - رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ الَّذِي لَا يُفَارق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حضرا وَلَا سفرا سَأَلَ عَن مِيرَاث الْجدّة فَأخْبرهُ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَمُحَمّد بن مسلمة بِقَضَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَكَذَلِكَ عمر - رَضِي الله عَنهُ - خفيت عَلَيْهِ أَحْكَام، مِنْهَا حكم الْمَجُوس فِي الْجِزْيَة حَتَّى أخبرهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بقول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " سنوا بهم سنة أهل الْكتاب ".
وَكَذَلِكَ عُثْمَان بن عَفَّان - رَضِي الله عَنهُ - لم يكن يعلم أَن المتوفي عَنْهَا زَوجهَا تَعْتَد فِي بَيت الْمَوْت، حَتَّى أخْبرته الفريعة بنت مَالك بذلك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute