للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هياكل العبادات بفنون الدعوات من جميع اللغات يحلل ما عقدته الأفلاك الدائرات. فصار ما جاءت به الشريعة إن حدث سبب خير كان ذلك الصلاة والزكاة يقويه ويؤيده وإن حدث سبب شر كان ذلك العمل يدفعه وكذلك استخارة العبد لربه إذا هم بأمر كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين) (١) الحديث. فهذه الاستخارة لله العليم القدير خالق الأسباب والمسببات خير من أن يأخذ الطالع فيما يريد فعله؛ فإن الاختيار غايته تحصيل سبب واحد من أسباب النجاح إن صح، والاستخارة أخذ للنجاح من جميع طرقه، فإن الله يعلم الخيرة، فإما أن يشرح صدر الإنسان وييسر الأسباب أو يعسرها ويصرفه عن ذلك» (٢).

وقال رحمه الله: «وهكذا قد اعترف رؤساء المنجمين من الأولين والآخرين أن أهل الإيمان أهل العبادات والدعوات يرفع الله عنهم ببركة عباداتهم ودعائهم وتوكلهم على الله ما يزعم المنجمون أن الأفلاك توجبه ويعترفون أيضاً بأن أهل العبادات والدعوات ذوي التوكل على الله يعطون من ثواب الدنيا والآخرة ما ليس في قوى الأفلاك أن تجلبه» (٣).


(١) رواه البخاري كتاب: التوحيد. باب: قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} [الأنعام:٦٥] برقم (٧٣٩٠).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٥/ ١٩٩ - ٢٠٠)
(٣) المصدر السابق (٣٥/ ١٩٦).
ويمكن أن يضاف إلى ما ذكر من الأوجه الموضحة لفساد هذه الصنعة وبطلان هذه الشبهة ما يلي:
أن القول بصدور الحوادث الأرضية عن حركة الكواكب يقتضي أنها مختارة مريدة بنفسها، وهذا باطل لا يقول به عاقل، إذ لو كانت كذلك لما بقيت على حركة واحدة، ومسار واحد لا تحيد عنه، فهذه صفة الجماد المدبر المسخر الذي لا اختيار له. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (٥/ ١٤٧).
أن هذه الكواكب تظهر وتأفل وتبدو وتختفي، والرب المتصرف المدبر لأمر الكون يجب أن يكون حياً قيوماً. وبهذه الحجة احتج إبراهيم عليه السلام على قومه المشركين كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام:٧٦].
إن إثبات تأثير النجوم والكواكب لا يمكن إلا بمعرفة طبائعها وتأثيراتها، وهم قد عجزوا عن اكتشاف هذه النجوم، فبين كل حين وآخر يكتشف نجم جديد لم يعلموا به في السابق، فإذا عجزوا عن اكتشاف وجودها فعجزهم عن إدراك طبائعها وتأثيراتها أولى وأحرى، كيف وهم يقررون أن الكوكب المعين لا يعود على حالته التي هو عليها إلا بعد آلاف السنين فكيف يمكنهم إدراكه؟!
اختلاف المنجمين في الأصول التي بنوا عليها علمهم: ومن ذلك اختلافهم في البروج التي ثؤثر في العالم واختلافهم في اسمائها واختلافهم في دلالتها على طباع الناس، واختلافهم في مدة تأثيرها، واختلافهم في المذكرة منها والمؤنثة، ومن ذلك اختلافهم في السعود من الكواكب والنحوس منها، واختلافهم في كيفية معرفة السعادة من هذه الكواكب.
ومنها اختلافهم في درجات الفلك، وصورته وشكله وحركته، وصورة كواكبه، وأشكالها وحركاتها، وغيرها من الأمور الكثيرة. انظر تفصيل هذه الاختلافات: التنجيم والمنجمون (١/ ٢١٦ - ٢٢٣).

<<  <   >  >>